الاستعراض الدوري أخر عنقود آليات حماية حقوق الإنسان

مراجعات جيل جديد على هامش الدورة 11 لمجلس حقوق الإنسان

الاستعراض الدوري أخر عنقود آليات حماية حقوق الإنسان

كل جهد دولي يهدف لتضييق الخناق على مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان يستحق الإشادة، وكل فكرة ترمي إلى حمل الحكومات على الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والعمل بالنصوص والعهود والمواثيق التي تواضع عليها العالم في هذا الشأن  أمر يستحق الدعم من جانب كل المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم ، لذا فالتطوير المستمر في آليات الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق الإنسان شيء نستحسنه ، ويجب  أن نعضده بالتقييم المستمر لجدوى هذه الآليات المستحدثة .

ويرى ماعت أن الآلية الخاصة بالاستعراض الدوري الشامل  ( UPR ) التي أنشأت بموجب قرار الأمم المتحدة 60/ 251  في مارس 2006  ، بمثابة فرصة ذهبية لتعزيز الشفافية لدى الدول فيما يتعلق بممارساتها الحقوقية ، حيث أن الاستعراض آلية تعاونية تتم على أساس معلومات موضوعية وموثوق منها، ومن خلال حوار مفتوح بين جميع الأطراف والمعنيين (الحكومات والخبراء المستقلين ومنظمات المجتمع المدني)  ، من خلال استعراض الأوضاع الحقوقية في الدولة  على أساس ثلاث تقارير رسمية صادرة من حكومة الدولة ، ومكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، ومنظمات المجتمع المدني  ويقوم بالاستعراض فريق عمل  مؤلف من الـ 47 دولة عضو بمجلس حقوق الإنسان، ويستغرق ثلاث ساعات ويتم الاستعراض الدوري للدولة مرة كل أربع سنوات .

وتضطلع ما تعرف بالترويكا بتيسير عملية الاستعراض الدوري الشامل للدولة التي تخضع للاستعراض، وتشمل مهمات الترويكا على مراجعة التقرير الذي تتقدم به الدول الأعضاء بالفريق العامل المعني بالمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان والعمل على تنسيقه والتدقيق عليه مع الدول المعنية بالتعاون مع سكرتارية المجلس.

ومن الدول التي تم تقديم استعراضها الشامل أمام الدورة 11 لمجلس حقوق الإنسان هذا العام المملكة العربية السعودية ، حيث أقرت خلاله أن الاستعراض يتوافق مع تعاليم الإسلام وضرورات محاسبة الذات ، واهتمت بإبراز المساعي التي تبذلها لتعزيز حقوق المرأة والطفل وتحسين الجهاز القضائي .

يمثل  الاستعراض الدوري الشامل تحديا كبيرا فى تعزيز عالمية جميع حقوق الإنسان وترابطها وفى تحسين حالة حقوق الإنسان على ارض الواقع كما يساعد فى معرفة مدى احترام الدول لالتزاماتها والجهود التي تقوم بها على المستويين الوطني والدولي من اجل تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والحريات الأساسية.وعلى هذا نجد أن الاستعراض ألدوري يشكل آلية للمحاسبة تضع الدول أمام نفسها وأمام مدى تطبيقها للالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان ، كما أن تضمين تقارير أخرى الى جانب التقارير الحكومية في الاستعراض يجعل الصورة أكثر اكتمالا أمام المجتمع الدولي .

وهناك بعد إيجابي حتى للدول المنتهكة لحقوق الإنسان في آلية الاستعراض ، حيث أن الأمر لا يتوقف عند مرحلة عرض الأوضاع الحقوقية في الدولة ، ولا يعمد إلى الفضح والتشهير بما فيها من سلبيات أو يعلق المشانق المعنوية للحكومات المنتهكة لحقوق الإنسان ولكنه يخرج بتوصيات فيما يتعلق بتقديم المساعدة الفنية والمادية والبشرية للدولة التي تعاني من ضعف في آلياتها المعنية باحترام وحماية حقوق الإنسان .

وكل ذلك يجعل من ضرورة تقديم معلومات صحيحة في التقارير الحكومية والاهتمام بإبراز السلبيات على نفس القدر الخاص بإبراز الايجابيات أمرا ملحا ، كما يستدعي ذلك أهمية تضمين المنظمات غير الحكومية على المستوى الوطني في صياغة  وإعداد التقارير بل وأخذ ملاحظاتها وما ترصده من انتهاكات موضع الاعتبار ، وأن لا ينصب اهتمام الحكومات على مخالفة ونقد ما يأتي في تقارير هذه المنظمات والتركيز فقط على بيان قصوره وبعده عن الحقيقة .

وهناك تجربة سويسرية رائدة في هذا الشأن حيث راعت سويسرا عند تقديمها لتقريرها الحكومي في الاستعراض الدوري الشامل الخاص بها ما صدر عن المنظمات غير الحكومية من تقارير بل وأشارت الى مواطن التلاقي والتعارض بين التقرير الحكومي وتقارير هذه المنظمات ، واعتبرت أن الأساس في ذلك ما اتفق عليه الطرفان .

ويؤكد ماعت أنه بقدر دعمه لهذه التجربة الوليدة في منظومة الآليات الدولية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان ، فإنه يرى حاجتها إلى التطوير وتخليصها من بعض السلبيات حتى تصبح أكثر فاعلية ، ومن ذلك مثلا قضية حق الدول المعنية بالاعتراض على أحد أعضاء الترويكا أو حقها في وجود عضو معين في هذه الترويكا مما يفتح الباب لسطوة العلاقات السياسية بين الدول على المعايير الحقوقية الواجب الالتزام بها .

كما أن ضيق الوقت المخصص لكل دولة والذي لا يتجاوز ثلاث ساعات كل أربع سنوات يمثل عقبة أخرى في هذا الشأن حيث أنه لا يسمح بالاستماع لكل أصحاب المصلحة ، ومن ثم توضيح كافة أبعاد الصورة ، ويستلزم ذلك ضرورة البحث عن آلية لزيادة هذا الوقت .

وأخيرا يبقى أن نذكر أن الاستعراض الدوري الشامل بمكوناته المختلفة يمثل تقدما على طريق نصرة حقوق الإنسان في العالم باعتباره أداة للمكاشفة والمصارحة ، بل وبداية للمصالحة بين الدولة – أي دولة – وحقوق الإنسان فيها ، ولكن يبقى جانب هام لا بد من العمل على إبرازه في المستقبل وهو المتعلق بتوفر آلية للمعاقبة بناءا على ما يخلص اليه الاستعراض الدوري الشامل للدولة حتى لا يتحول الأمر الى مجرد مكلمة لا طائل من ورائها .

 

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية