الاستعراض الدوري الشامل ما بين ” الكذب ” و”المبالغة” و”التشفي ” حتى لا يكون الاستعراض فرصة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان وليس موسم تخليد ” الكربلائيات “

في إطار تقييمها المبدئي لعملية خضوع مصر للاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان بجنيف التي تمت في 5 نوفمبر الجاري ، فإن مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان ترى أن كل الأطراف تعاملت مع “النتائج الأولية” لخضوع مصر للآلية بمزيج مقلق من ” المبالغة ” و ” التشفي ” و ” الكذب أحيانا ” و” الجهل غالبا ” . إن ماعت عندما تقول ” كل الأطراف ” فإنها تشير بوضوح وبلا مواربة إلى ” الحكومة ووفدها الممثل ، وإلى كثير من منظمات المجتمع المدني التي شاركت ” ، وكثير من المنظمات التي قالت إنها قاطعت ” ، كما تشير إلى غالبية وسائل الإعلام التي تابعت ورصدت ونقلت إلى الناس ، وبالطبع تشير إلى جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها وإعلامها. فعلى مدار الأيام الخمس المنقضية منذ خضوع مصر للآلية امتلأت فضاءات الإعلام التقليدي والجديد بأخبار وتصريحات وآراء منقولة عن مسئولين في الوفد الحكومي بدت وكأنها تتباهي ” بانتصار ” في معركة دبلوماسية ، أو إعلان نجاة من ” فخ ” تم نصبه لمصر في مجلس حقوق الإنسان . وبالمقابل كانت معظم منظمات المجتمع المدني – وفقا لنشاطاتها وتصريحاتها وبيانتها – بعيدة كثيرا عما تفرضه عليها أدوارها للاستفادة من آلية الاستعراض الدوري الشامل لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر ، فقد كانوا ما بين ” مهلل ” لانتصار الحكومة في ” غزوة ” جنيف المزعومة ، وما بين ” مهول ” ومبالغ – ومتشفي أحيانا – في إبراز الجوانب السلبية المرتبطة بالعملية وبمعلومات غير دقيقة عن انتقادات وجهت لمصر خلال جلسة الحوار التفاعلي .، فضلا عن المعلومات غير الدقيقة التي روجتها بعض المنظمات مدعية ” مقاطعتها ” لعملية الاستعراض الدوري الشامل بينما من المعلوم أن منظمات المجتمع المدني لا تشارك في عملية الحوار التفاعلي ومشاركتها تكون في جلسة اعتماد التقرير التي ستعقد خلال الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان . أما جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها ووسائل إعلامها فقد مارست عادتها في رفع الشعار ” الجوبلزي ” الشهير ” أكذب ثم أكذب ثم أكذب .حتى تصدق نفسك فيصدقك الناس” ، وراحت تروج الأكاذيب في كل اتجاه وتختلق الوقائع التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وتصور الأمر وكان آلية الاستعراض الدوري الشامل لم تخلق إلا ليحاسب العالم مصر على موقفها ضد الإخوان ، واستغلت نقص وعي الكثير من النخب السياسية والإعلامية – والحقوقية للاسف – فضلا عن الغالبية الكاسحة من المواطنين ، بحدود آلية الاستعراض الدوري الشامل والإجراءات الحاكمة لها ، لتجعل منها مناسبة لتخليد ” كربلائيات ” وبكائيات الجماعة . إن آلية الاستعراض الدوري الشامل عملية دولية متعددة الحكومات تستعرض فيها الدول، وليس خبراء مستقلون |ولا منظمات مجتمع مدني – أوضاع حقوق الإنسان في دولة معينة، ويصدر عنها مجموعة من التوصيات موجهة للدولة موضع الاستعراض التي لها حرية الاختيار في ان تقبل ما تقبل وترفض ما ترفض . ما تقبله الدولة يصبح تعهدات طوعية عليها ان تنجزها قبل خضوعها للاستعراض التالي بعد أربعة سنوات ، وما لم تقبله ياخذ به المجلس علما فقط دون أن يكون هناك أي إجراء إضافي يملك اتخاذه ضد الدولة . وهناك بعد إيجابي حتى للدول المنتهكة لحقوق الإنسان في آلية الاستعراض ، حيث أن الأمر لا يتوقف عند مرحلة عرض الأوضاع الحقوقية في الدولة ، ولا يعمد إلى الفضح والتشهير بما فيها من سلبيات أو يعلق المشانق المعنوية للحكومات المنتهكة لحقوق الإنسان ولكنه يخرج بتوصيات فيما يتعلق بتقديم المساعدة الفنية والمادية والبشرية للدولة التي تعاني من ضعف في آلياتها المعنية باحترام وحماية حقوق الإنسان. من هنا فإن ماعت ترى أن آلية الاستعراض فرصة للجميع – حكومة ومنظمات مجتمع مدني ومواطنين- لإحداث تقدم معنوي في أوضاع حقوق الإنسان في مصر في إطار أجندة وطنية بعيدة عن المزايدة السياسية وضغوط القوى الدولية ، لكن الوصول إلى هذه الغاية يستلزم من الجميع – حكومة ومجتمع مدني وتيارات سياسية وإعلام – إدراكا بحدود هذه الآلية ووعيا بنتائجها وعملا تشاركيا حقيقيا بين الجميع . في هذا الإطار فإن مؤسسة ماعت تبادر حاليا بإعداد دراسة تحليلية لخضوع مصر لآلية الاستعراض الدوري الشامل في ضوء التقارير المقدمة من أصحاب المصلحة والوكالات الدولية والحكومة المصرية ، وفي ضوء تعاطي المنظمات والحكومة مع النتائج الأولية للآلية ن وفي ضوء التوصيات المقدمة لمصر ، وسنقترح ملامح عامة لخطة تحرك وطني لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في ضوء هذه العملية ، ومن المتوقع ان تصدر الدراسة بنهاية الأسبوع القادم .

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية