التحديات المؤسسية والتمويلية لمنظمات المجتمع المدني في مصر

التحديات المؤسسية والتمويلية  لمنظمات المجتمع المدني في مصر

رؤية واقعية وتوصيات

ورقة سياسات

تصدرها

“وحدة تحليل السياسة العامة وحقوق الإنسان”

التابعة لمؤسسة

ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان

في إطار مشروع

“الاستعراض الدوري الشامل كأداة لتحسين السياسات العامة خلال المرحلة الانتقالية” (الممول من الاتحاد الأوروبي)

مايو 2016

 

“هذا الإصدار تم تنفيذه بمساعدة الاتحاد الأوروبي. مضمون هذا الإصدار هو مسؤولية مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان ولا يمكن بأي حال أن يعتبر انعكاسا لرؤي الاتحاد الأوروبي”

تمهيد

عقب ثورة يناير 2011 ظهرت على السطح خلافات واضحة بين بعض منظمات المجتمع المدني من جانب ، وبعض أجهزة الدولة المعنية من جانب آخر ، وذلك على خلفية اتهامات متبادلة بين الطرفين وصلت إلى ساحات القضاء .

فمن جانب ترى منظمات المجتمع المدني أن الدولة تمارس تضييقا عليها ، وتعنت في تطبيق أحكام القانون 84 لسنة 2002 ، الذي تراه المنظمات مخالفا لالتزامات مصر الدولية ، ومخالفا لنص الدستور المصري ، ومن جانب آخر  تصر  الحكومات المتعاقبة على عدم وجود عمليات تضييق ضد المجتمع المدني  مع تمسك هذه الحكومات بحقها في تقنين اوضاع المؤسسات التي تعمل بميادين عمل  تتطابق وعمل منظمات المجتمع المدني الخاضعة لقانون 84 لسنة 2002 ، مع بروز اتهامات لبعض المنظمات  بتلقي تمويلات غير مشروعة  دون موافقة الجهات الرقابية تستخدم في اعمال قد تضر بالأمن القومي للدولة.

وفي إطار اهتمام وحدة تحليل السياسات العامة بمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان بالتوصيات التي تم تقديمها لمصر في ضوء الاستعراض الدوري الشامل وموقف الحكومة المصرية من التوصيات وفي ضوء تنفيذ المؤسسة مشروع “الاستعراض الدوري الشامل كأداة لتحسين السياسات العامة خلال المرحلة الانتقالية”، الذي تنفذه المؤسسة بتمويل من الإتحاد الأوروبي خلال 2016-2017، تأتي ورقة ” التحديات المؤسسية والتمويلية للمنظمات”.

وتتناول الورقة عدة نقاط  أساسية:  تبدأ بتعريف سريع لبدايات العمل الاهلي وخاصة في مصر ثم تتناول مراحل عمله وعلاقات العمل الاهلي بالنظم السياسية المتعاقبة خاصة في الفترة من بعد قيام ثورة 1952 وحتي ثورة الخامس والعشرون من يناير ثم ننتقل لناقش الازمات الهيكلية والتمويلية  التي تعاني منها المنظمات ونطرح في الجزء الاخير من الورقة بعض التوصيات التي قد تساهم في حل تلك الازمات.

بدايات المجتمع المدني وتطوراته

ظهرت فكرة المجتمع المدني في نهايات القرن الثامن عشر كنتيجة للتحولات الثورية والتغيرات السياسية التي حدثت في أوروبا حيث انتقلت أوروبا الي الديمقراطية بعد عقود من الاستبداد البرجوازي . خاصة ان الحكام في ذلك الوقت اعتبروا أن استقرار الحكم يعتمد بالأساس علي سد حوائج الافراد  لذلك  تبلورت فكرة المجتمع المدني في العالم الغربي بنشأة وتطور الدولة الحديثة والتحامه معها بشدة حيث صار المجتمع المدني الوجة الاخر للدولة ، ومع التطور الحادث للديمقراطيات المستقرة ارتبط مفهوم المجتمع المدني ارتباطا  قويا بالحفاظ علي  الحرية، والمساواة، والإرادة العامة للدولة في هذا الوقت .

وترجع نشأة المجمتع المدني في مصر إلي  سنة 1821 عندما اشهرت اول جمعية اهلية في مصر تحت اسم الجمعية اليونانية في الاسكندرية والتي كانت صاحبة الريادة في انتشار فكرة تكوين الجمعيات الاهلية ولكنها في اغلبها كانت جمعيات متخصصة في مجالات متعددة كالثقافة والبحوث مثل جمعية مصر للبحث في تاريخ الحضارة المصرية ، وتلتها جمعية المعارف والجمعية الجغرافية ، و في العام  1878 اشهرت اول جمعية دينية والتي اطلق عليها  الجمعية الخيرية الاسلامية ثم تلاها في  العام 1881 اشهار جمعية المساعي الخيرية القبطية[1].

ومع بداية القرن العشرين وخصوصا بعد اقرار دستور 1923  الذي أتاح  إنشاء المزيد من الجمعيات الأهلية وذلك لكفالته  العديد من الحقوق والحريات والتي كان من أهمها حرية وحق تكوين الجمعيات وأشترط أن تكون سلطة حلها في يد القضاء فقط وذلك في ضوء المواد  رقم 54 ، 80 من القانون المدني والذي أعطي سلطة إلغاء القرارات وحل الجمعيات في يد القضاء الأمر الذي ساعد في المزيد من التحرر لمنظمات العمل الأهلي ، وهو ما ادي الي زيادة انتشار تلك الجمعيات  في تلك الفترة و حتي عام 1945م، ولعل هناك تفسير أخر لإنتشار جمعيات العمل الأهلي وازدياد نشاطها في تلك الفترة وهي أن الدولة كانت منشغله بالاعمال الحربية والأمنية مما جعل جمعيات العمل الأهلي تأخذ على عاتقها الجانب الاخر من عمل الدولة وهو اعانة المشردين ومصابي وضحايا الحروب ، وإلى جانب هذا الدور الإجتماعي كان هناك دور ثقافي لتلك الجمعيات حيث اهتمت في تلك الفترة بهوية الشخصية المصرية هل هي اسلامية أم عربية أم فرعونية أم بحر متوسطيه. ويوضح الجدول التالي تطور معدل اشهار منظمات المجتمع المدني في مصر واهم ملامح كل فترة زمنية  منذ العام 1925 وحتي العام 2014 [2]

العام ملاحظة عدد الجمعيات
1925 بعد إصدار أول دستور رسمي يعترف بالجمعيات 300
1950 قبل ثورة يوليو بعامين 2000
1970 مع نهاية فترة الحكم الناصري 7000
1980 مع نهاية حكم السادات وبعد تبني سياسة الانفتاح 8402
1990 صحوة للمجتمع المدني وتأثر كبير بمؤتمرات الأمم المتحدة العالمية 12.832
2000 وضوح تام لتدفق التمويل الخارجي 16.000
2011 بعد أحداث ثورة يناير 31.000
2014 بعد التفاعلات بين المتغيرات العالمية والوطنية 46.200

المفهوم الإجرائي والواقع القانوني والحقوقي لمنظمات المجتمع المدني في مصر

  • اولا : المفهوم الإجرائي والواقع القانوني

المفهوم  المصري لمنظمات المجتمع المدني يحصرها في شكل الجمعيات والمؤسسات الأهلية ، حيث تعرف الجمعية قانونا بأنها كل جماعة ذات تنظيم مستمر لمدة معينة أو غير معينة تتألف من أشخاص طبيعيين لا يقل عددهم عن عشرة أشخاص أو من أشخاص اعتباريين بهدف عدم الحصول على ربح .

ورغم أن القانون الذي يحكم عمل المنظمات الأهلية في مصر هو القانون 84 لسنة 2002 ، وتقوم على تطبيقه وزارة التضامن الاجتماعي ، فإنه في حالات قليلة تتخذ المنظمات الأهلية شكل الشركات المدنية  غير الهادفة للربح ،  وفي هذه الحالة فإنها لا تخضع لرقابة وزارة التضامن الاجتماعي ، وفي نفس الوقت لا تخضع لأحكام القانون 84 لسنة 2002 ، ولكنها تؤدي نفس الوظائف التي تؤديها المنظمات الأهلية الأخرى الخاضعة لهذه الآليات .

وفقا للمادة (11) من قانون  (84 ) لسنة 2002 ، فإن الجمعيات  الأهلية تعمل على تحقيق أغراضها في الميادين المختلفة لتنمية المجتمع وفقا للقواعد والإجراءات التي يحددها القانون واللائحة التنفيذية .

وقد أجازت المادة (11)  من القانون  للجمعية – بعد أخذ رأى الاتحادات المختصة وموافقة الجهة الإدارية – أن تعمل في أكثر من ميدان ، كما حظر  إنشاء الجمعيات السرية ، والجمعيات التي تمارس  نشاطا  مثل تكوين السرايا أو التشكيلات العسكرية أو ذات الطابع العسكري  ، أو يهدد  الوحدة الوطنية أو يخالف  النظام العام أو الآداب أو يدعو  إلى التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

كما حظرت نفس المادة من القانون على الجمعيات ممارسة نشاط سياسي تقتصر ممارسته على الأحزاب السياسية وفقا لقانون الأحزاب وأي نشاط نقابي تقتصر ممارسته على النقابات وفقا لقوانين النقابات ، كما حظر عليها   استهداف تحقيق ربح أو ممارسة نشاط ينصرف إلى ذلك .، فيما أجاز القانون للجمعية بعد اكتسابها الشخصية الاعتبارية القيام بأي نشاط يؤدي إلى تحقيق أغراضها في تنمية المجتمع.

وقد أوضحت المادة (48 ) من اللائحة التنفيذية للقانون (84 ) لسنة 2002  إنه يعد من ميادين تنمية المجتمع أية أنشطة تهدف إلى تحقيق التنمية البشرية المتواصلة سواء في ذلك الأنشطة التعليمية أو الصحية أو الثقافية أو الخدمات الاجتماعية أو الاقتصادية أو البيئية أو حماية المستهلك أو التوعية بالحقوق الدستورية والقانونية أو الدفاع الاجتماعي أو حقوق الإنسان ، وغير ذلك من الأنشطة .

وقد شهدت دساتير مصر في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011  تطورا نوعيا في الإطار الدستوري  المتعلق بالمنظمات الأهلية ، فالمادة 75 من دستور 2014  تنص على أن ”  للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار.وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل فى شؤونها أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي، ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون “

ويفتح هذا النص الدستوري  الباب واسعا أمام إجراء تعديلات كبيرة على القانون الحالي الحاكم لإنشاء وعمل وحل المنظمات الأهلية  ليتوافق مع القواعد التي أرساها الدستور .

  • ثانيا : الاطار الحقوقي

– اولا : نص  العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي صادقت عليه مصر في 1982 في الفقرات الاولي والثانية من المادة 22 علي ان “

  • لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.
  • لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق.

ثانيا: في اثناء خضوع مصر للاستعراض الدوري الشامل عام 2014  قدمت عدد من الدول بعض التوصيات والتي وافقت عليها الحكومة المصرية بشكل كامل او بشكل جزئي  فيما يتعلق بحق الجمعيات والمؤسسات الاهلية في تلق التمويلات وتعديل قانون الجمعيات والمؤسسات ليتوافق مع المواد الدستورية وجاءت التوصيات كالتالي :

  • تعزيز التدابير اللازمة لإعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‏‏، بما في ذلك اعتماد التشريعات اللازمة (جنوب أفريقيا)؛
  • مواصلة ضمان الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان، ولا سيما الحقوق التي ينص عليها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‏‏ وغيره من اتفاقات حقوق الإنسان التي أصبحت طرفاً فيها (الفلبين)؛
  • استعراض قانون الجمعيات وقانون التظاهر بغية الامتثال للدستور، فضلاً عن القانون الدولي، والإخلاء الفوري لسبيل الأشخاص المحتجَزين أو المسجونين بسبب ممارسة حريتهم في التعبير من خلال المشاركة في الاحتجاجات السلمية (السويد)؛
  • حماية حرية التجمع وتكوين الجمعيات من خلال تنقيح قانون التظاهر، والقضاء على جميع أشكال التدخل في تسجيل المنظمات غير الحكومية وعملها، وضمان حقها في التماس التمويل وتلقّيه، والتوقف عن إصدار إنذارات نهائية للمنظمات غير الحكومية غير المسجلة (النرويج)؛
  • تسهيل عمل الجهات الفاعلة من المجتمع المدني عن طريق إزالة الشروط المبالغ فيها المفروضة على تسجيلها وعملها وتمويلها، ومواءمة قانون الجمعيات مع الدستور (الجمهورية التشيكية)؛
  • إلغاء قانون المؤسسات والجمعيات الأهلية (القانون 84 لعام 2002)، اللذين بحد من حرية التجمع وتكوين الجمعيات وحرية التعبير، أو تعديله لضمان تماشيه مع التزامات مصر الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية)؛

وطبقا لهذه التوصيات يتوجب علي الدولة المصرية العمل بشكل سريع علي تشريع قوانين جديدة تتوائم مع المواد الدستورية والالتزامات الدولية الطوعية اما مجلس حقوق الانسان بجنيف.

المجتمع المدني والسلطة .. انتكاسات وانفراجات

مع انتشار فكرة المجتمع المدني في مصر ودورة البارز في مساعدة الدولة في القضايا المذكورة ، تعرضت منظماته والعمل الاهلي بشكل عامل الي انتكاسات وانفراجات متعددة منها :-

الانتكاسة الاولي  :

بدئت بتعرض المجتمع المدني في مصر الي انتكاسة كبري مع بدايات عام 1953 عندما أُصدر قرار حل الأحزاب السياسية من قبل الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر وإنشاء تنظيم سياسي واحد تطور من كونه هيئة تحرير ثم إتحاد قومي إلى أن وصل إلى الإتحاد الإشتراكي. ثم تلي ذلك العديد من قرارات التحجيم لجمعيات المجتمع الأهلي حيث تم إيقاف نشاط الاتحاد النسائي وإتحاد فتيات النيل، ثم صدور قانون 348 لسنة 1956م والذي من شأنه فرض حل جميع التنظيمات الأهليه وأعتبر هذا القانون أن أي مخالفة لنصوصه هي جريمه تخضع لقانون العقوبات.

الانفراجة  :

كانت وفاة الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر وتولي الرئيس الاسبق محمد انور السادات في مطلع السبعينات انفراجة كبيرة للمجتمع المدني  حيث أصدر السادات ،  قرارين من أهم القرارات بتاريخ المجتمع المدني في مصر وهما قرار التحول نحو التعددية السياسية المقيدة وسياسة الانفتاح الاقتصادي حيث ساعدا هاذين القراران على ازدياد جمعيات العمل الأهلي وفتح المزيد من فرص حصول تلك الجمعيات على تمويل أجنبي ومع بداية الثمانينات ظهرت سيطرة تيارات الإسلام السياسي على النقابات المهنية المختلفة وتزايد عدد المنظمات الحقوقية والدفاعية في مصر منذ الثمانينات وحتي الأن.

الإنتكاسة الثانية:

بدء عهد الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك  بفتح افاق جديدة للعمل الاهلي في مصر ما لبث الي أن تحول لعداء ما بين الحكومة من جهة والمجتمع المدني خاصة المنظمات التي تعمل في مجال حقوق الانسان من جهة اخري ما دعي المراقبين الي وصف تلك الفترة بفترة العداء بين النظام والمجتمع المدني  ،ثم ما لبس ان خضع عمل المجتمع المدني للقوانين المتعددة التي ادت الي تقيد عمل المنظمات وتم فرض الحراسة علي بعض النقابات وحل الاخري ، فبالإضافة إلى قانون الطوارئ الذي سمح للحكومة بالتدخل في شؤون منظمات المجتمع المدني كان هناك قانون تنظيم عمل المؤسسات الاهلية والمعروف بقانون 84 لسنة 2002 والذي فوض  سلطات المنح والمنع لوزارة التضامن  الاجتماعي (الشؤون الاجتماعية سابقا) ، كما مكن تلك السلطات  من تنظيم ومراقبة مصادر التمويل الخاصة بتلك الجمعيات، كما منع هذا القانون المؤسسات  الأهلية من ممارسة  أي نشاط سياسي أو نقابي .

الانتكاسة الثالثة  :

جاءت ثورة الخامس والعشرون من يناير لتعطي املا وافقا جديدا لعمل المجتمع المدني بشكل افضل في مصر بعد ازاحة نظام مبارك الذي تعثر في نهاية حكمه عمل المجتمع المدني بشكل عام  ، حيث بدئت تتمتع الجمعيات الأهلية والتنموية والخيرية بحرية الانطلاق والعمل دون قيود وما لبث ان انفتح العمل حتي ظهرت بوادر أزمة جديدة بين الدولة والمنظمات علي خلفية القضية 173 والتي عرفت اعلاميا  بقضية “التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني”. وتم على إثر ذلك مهاجمة عدة منظمات  حقوقية اجنبية ومصرية ومصادرة جميع الملفات ومحتويات تلك المؤسسات واخراج أمر ضبط واحضار لـ 43 شخصًا بينهم 19 أمريكيًا .

وكان هذا التحرك علي خلفية اعلان السفيرة الأمريكية آن ذاك “أن بانرسون” أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي  أن 65 منظمة مصرية تقدمت بطلبات للحصول علي منح مالية أمريكية لدعم المجتمع المدني وأن الولايات المتحدة فرقت 40 مليون دولار خلال خمسة أشهر لمنظمات المجتمع المدني لدعم الديمقراطية في مصر. وقد أكد علي ذلك وزيرة التخطيط والتعاون الدولي آنذاك فايزة أبو النجا التي أقرت أنه خلال 4 شهور من مارس حتى يونيو 2011 تم تمويل المنظمات المدنية بمبلغ 175 مليون دولار بينما حجم التمويل في 4 سنوات من 2006 إلي 2010 لم يتجاوز 60 مليون دولار وتم توجيه التهم لأربع منظمات أمريكية تقوم بتمويل هذه المنظمات لاختراق القوانين المصرية وممارسة أعمال سياسية وليست حقوقية لتفكيك المجتمع المصري وإثارة الفتن .

وقد تبع ذلك ضغط  كبير من الجانب الأمريكي للتراجع عن هذا القرار، و بعد رفض الجانب المصري لتلك الضغوط تم الضغط بورقة المساعدات كوسيلة من وسائل الضغط الامريكي والذي ادي الي ترحيل الامريكان ووقف القضية حتي تم فتحها مرة ثانية مؤخرا.

المشاكل المؤسسية والتمويلية التي تعاني منها المنظمات الأهلية في مصر                               

قبل تطوير قانون  جديد للعمل الأهلي  ، يجب أن يكون أمام  المشرع ومتخذ القرار تصورا موضوعيا عن طبيعة التحديات التي  تواجه منظمات المجتمع المدني المصرية ، وهي تحديات متنوعة ،  وتركز الورقة الحالية على التحديات المؤسسية والتمويلية ، في حين ستناقش أوراق أخرى التحديات السياسية والتشريعية وغيرها ، وفيما يلي استعراض لهذه التحديات  :-

  • أولا :- التحديات المؤسسية الداخلية

منظمات المجتمع المدني المصرية   ، تعاني من مشكلات ” مؤسسية داخلية ” تضعف كثيرا من قدرتها في التأثير على المستوى الدولي ، ويمكن إبراز أهم  هذه المشكلات فيما يلي  :-

  • نمط الإدارة والحكم في غالبية المنظمات يميل إلى  ” تكريس هيمنة الشخص الواحد ”  وتغييب مبدأ تداول السلطة :  فالمؤسسون  ورؤساء المنظمات التي نشأت منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي وما بعده   لازالوا هم  المهيمنون الفعليون على  عملية اتخاذ القرار داخل هذه الكيانات ، ولا توجد فروق ذات مغزى  بين  تلك المنظمات التي تتخذ شكلا قانونيا يتوافق مع أحكام القانون 84 لسنة 2002 ، والأخرى التي  تتخذ أشكالا لا تتوافق مع هذا القانون .
  • ألمنظمات في معظمها على الأقل – بعيدة عن منطق ” إدارة الإعمال ” ، فهي لا تستثمر بما يكفي في مواردها البشرية  ولا  تطور من هيكلتها الإدارية باستمرار ، ولا تتبني رؤي واستراتيجيات واضحة ” و ” مكتوبة ”  ،  لذا فإن  السائد في العمل المدني هو  منطق ” الناشط” وليس منطق ” الكيان المؤسسي” .
  • الخلط بين السياسي والحقوقي ( خاصة لدي المنظمات الدفاعية والحقوقية ) : بسبب الخلفية السياسية والإيديولوجية لعدد غير قليل من الرعيل الأول والثاني في الحركة الحقوقية المصرية ،وبسبب  عنصر هيمنة الشخص الواحد الذي سبق وتحدثنا عنه ، فإن كثير من المنظمات الحقوقية تتحرك على أرضية ” سياسية ” ، وليست ” حقوقية” ،  ومن باب إحقاق الحق  فإن سنوات حكم الرئيس السابق مبارك  وما اتسمت به من تجريف للحياة الحزبية ، ومن ثم تغييب للمؤسسات السياسية المعارضة الجادة ، ساهم في تحرك المنظمات الحقوقية لتملأ هذا الفراغ ، فضلا عن  تركز معظم الانتهاكات خلال العقود الثلاثة الماضية في ميدان الحقوق المدنية والسياسية .
  • ضعف التواجد الدولي للمنظمات المصرية : فعلى الرغم من وجود عدد من المنظمات حاصلة على الصفة الاستشارية ، إلا أن عددها محدود للغاية ، ووجودها المؤسسي في العواصم الأوروبية  وبالقرب من مقرات الأمم المتحدة والبعثات الدولية محدود للغاية ، فضلا عن الضعف الشديد في علاقة هذه المنظمات بالإعلام الغربي  وبجماعات الضغط والتأثير في الغرب
  • هناك فجوة كبيرة بين القدرات التنظيمية لمنظمات المجتمع المدني في المناطق الريفية في مقابل تلك الموجودة في المناطق الحضرية. حيث تتمتع منظمات المجتمع المدني في المناطق الحضرية بإمكانية الوصول إلى موظفين مؤهلين ولديها فرص للتعاون مع عدد أكبر من المنظمات الأخرى، أما منظمات المجتمع المدني في المناطق الريفية فليس لديها نفس الفرص علي الرغم من كثرة عددها والذي يتعدي 43 الف منظمة مسجلة طبقا لقانون 84 لسنة 2002 وتعاني تلك المؤسسات من ضعف في الامكانات البشرية وضعف في التجهيزات وايضا ضعف في الاساليب المتعددة لجلب التمويلات وتعتمد في الغالب علي التبرعات المادية والعينية.
  • ثانيا : التحديات التمويلية 

القضية المتفجرة بشكل دائم في هذا البعد هي قضية التمويل الخارجي، واتهام المنظمات الأهلية بأنها أداة للاختراق الخارجي بسببه، و أنها إن كانت حسنة النية  وسيلة يستغلها الغرب لتحقيق أهداف سياسية وتنفيذ أجندات خفية ، وقد شهدت مرحلة ما بعد الثورة تفجر قضية ما يعرف بالتمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية ، والتي تتلخص في قيام الحكومة المصرية بتوجيه اتهام لعدد من المنظمات المصرية والأمريكية العاملة في مصر بمخالفة القانون وتقديم وتلقي تمويلات بغرض تحقيق أهداف غير مشروعة  وقامت النيابة العامة بإحالة 43 متهما للقضاء بهذه التهمة  ، وقد تدخلت الاعتبارات السياسية والإستراتيجية بنصيب ليس بالقليل في هذه القضية ، وهي اعتبارات ستظل تحيط بهذا الملف نظرا لطبيعته، فمن الصعب الفصل بين العلاقات بين الدول والعلاقة مع المنظمات حتي ولو كانت غير حكومية، فما تشهده العلاقات المصرية – الأمريكية منذ 25 يناير من شد وجذب وضغوط سياسية واقتصادية وإستراتيجية علي مصر يمكن أن يفسر المعالجة الخشنة من جانب الإدارة المصرية لهذه القضية .

ولا تكمن المشكلة في التمويل الأجنبي في حد ذاته، وذلك لان اغلب الجهات التي تمول منظمات المجتمع المدني هي بذاتها التي تمول الحكومات في تنفيذ العديد من المشروعات في مجالات مختلفة ، كما أن المؤسسات الدولية التي تقدم المنح بذاتها تحكمها أطر الشفافية ومصادر تمويلها معلنه بشكل رسمي ودوري داخل دولها ، والحقيقة  أن المشكلة تكمن في النظرة الأمنية التي تنظرها الدولة للعمل الأهلي ودور المجتمع المدني باعتباره خطرًا يُهدد استقرارها. وهذه الازمة ليست وليدة اليوم وإنما بدئت منذ اقرار قانون الطوارئ الذي صعب عمليات التمويل خاصة التمويل الخارجي ومن المعروف ان مصادر التمويل المتاحة للمنظمات بصفة عامة هي:-

  1. الحكومة المصرية : والتي تعمل علي تمويل المنظمات التي تدعم برامجها مثل تلك العاملة في مجال التنمية أو الصحة او خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة أو تلك المصنفة كجمعيات نفع عام.
  2. دعم الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية المصرية : ومن المنطقي ان يكون هذا الدعم هو أساس التمويل ولكن هذا النوع يواجه عوائق متعددة أهمها التشريعات التي لا تشجع علي هذا التوجه من التمويل وهو المعتمد فى الدول المتقدمة مثل الخصم من الوعاء الضريبي بل أحيانا تمنعه ومن العوائق أيضا ندرة المؤسسات التي تقوم بعمليات التمويل ، أيضا من العوائق توجيه هذه الهيئات  معظم تمويلاتها  لدعم الأنشطة الإنسانية والاجتماعية دون التفكير في دعم أنشطة حقوق الإنسان والتوعية السياسية مثلا .
  3. التمويل القائم علي التبرعات الفردية وهو في الغالب يقوم علي التمويل للمشروعات الخيرية ورعاية الأرامل والأيتام والمسنين ويهتم المتبرعين الافراد بإنشاء المدارس الأهلية، والصروح الطبية، ولا يهتم المتبرعين بتمويل المشروعات الحقوقية عادة .
  4. التمويل الأجنبي وتخضعه مصر لشروط صارمة، طبقا لقانون تنظيم العمل الاهلي رقم 84 لسنة 2002 والذي   يشترط الموافقة الكتابية من وزير التضامن الإجتماعي .

ويعد مدى توافر التمويل وشروطه واحداً من أهم محددات نشاط منظمات المجتمع المدني،  حيث يتوقف نشاط الغالبية من هذه المنظمات على وجود مصادر تمويل ثابتة تضمن بقاءها واستمرارية أنشطتها ، ويمكن تلخيص هذه الإشكالية في إطارها العام فيما يلي:

  • مشروطية التمويل الأجنبي وحصاره من جانب الدولة.
  • ضعف مستوى التمويل الوطني وتشتت أولوياته.
  • عدم تكافؤ الفرص في الوصول إلى مصادر التمويل.

وهي إشكاليات كانت ومازالت قائمة وترتبط بدرجة أو بأخرى بقيود السلطة ، ذلك أن الأنظمة التي تضيق على العمل الأهلي، على مستوى التشريع والممارسة لا يتصور أن تعمل على توفير الشروط المطلوبة لدعم هذا القطاع.

فالتمويل الأجنبي له شروطه. وهو محاصر بخضوعه لموافقة الحكومات. ومستوى التمويل الوطني لا يفي باحتياجات منظمات المجتمع المدني سواء بسبب ضعف ثقافة العطاء أو الانحياز للعطاء الخيري دون غيره. أضف لذلك أن التشريعات والقوانين الجاري العمل بها لا توفر تشجيع أو تسهيلات كافية للمؤسسات الوطنية المانحة لتقوم بدورها في دعم المنظمات الأهلية. وعلى الجانب الآخر، تشير الممارسات الواقعية إلى تفاوت فرص هذه المنظمات في الوصول إلى مصادر التمويل المناسبة بما نشهده من تدفق المنح والمساعدات على منظمات دون أخرى.

يعد تمويل منظمات المجتمع المدني هي الاشكالية الاساسية نتيجة الظروف السياسية والاجتماعية السائدة والتي تمر بها مصر في هذه المرحلة  خاصة في ظل اتهامات  الحكومات المتعاقبة  لمنظمات المجتمع المدني بانها تعمل ضد الامن القومي. ويعد التعنت في الموافقة علي المنح التي تقدمها الجهات الدولية للمنظمات خاصة الحقوقية من ابرز الاجراءات التي تبناها النظام خاصة منذ ثورة يناير ، في ظل انفتاح التمويل خاصة علي المؤسسات التابعة لجماعة الاخوان المسلمين والمؤسسات التي تعمل في الدفاع ،  بدعوى العمل لصالح جهات أجنبية تهدف إلى تشويه صورة مصر.

التوصيات                      

مما سبق يتضح لنا ان هناك اشكاليات متعددة يعاني منها المجتمع المدني المصري علي مستوى البنية المؤسساتية والقدرات التمويلية ، ومن ثم فالتوصيات التالية قد تكون مفيدة في ظل النقاش الدائر بشأن تعديل القانون .

  • أولا : التعديلات التشريعية المقترحة  
    • تعديل المادة السادسة من قانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002 لتواكب مع المادة 75 من الدستور بحيث يكون اشهار الجمعية بمجرد الاخطار ولا يجوز رفض اشهارها إلا بحكم قضائي.
    • اضافة تعريفات واضحة للحالات التي توجب حل الجمعية في الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون وهي تعريف معني تهديد الوحدة الوطنية أو مخالفة النظام العام أو الآداب أو الدعوة إلى التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو العقيدة. حيث المادة تركتها فضفاضة مما يسمح بتدخل جهات مختلفة في حل الجمعيات او المؤسسات
    • تعديل الفقرة الاولي من المادة 17 من القانون وإقرار حق الجمعيات والمؤسسات في جمع التبرعات دون اذن من اجهة الادارية.
    • تعديل الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون بالنص صراحة علي حرية المؤسسات الخاضعة له في تلقي التمويلات الخارجية بعد اخطار الجهة الادارية في خلال 30 يوما من تلقي التمويل. مع اشتمال القانون علي حق الجهة الادارية في الاعتراض علي التمويلات الاجنبية خلال 30 يوما من اخطار المؤسسات والجمعيات الخاضعة للقانون وفي حال مرور 30 يوما دون اخطار المؤسسة او الجمعية بالاعتراض يصبح التمويل مشروعا ولا يحق للجهة الادارية الاعتراض عليه.
    • تعديل المادة الاولي من القرار بقانون رقم 128 لسنة 2014 ونصها صراحة علي الامور التي تندرج تحت مسمي “ما يمس الامن الوطني واستقلال البلاد” لان هذه الالفاظ فضفاضة وتعطي للجهات حق ترهيب عمل المنظمات الاهلية بدعوي المساس بالأمن الوطني واستقرار البلاد.
    • استحداث مادة جديدة تبيح للجهة الادارية مراقبة اعمال وأوجه الصرف التي تقوم المؤسسات بها ومراجعتها بشكل دوري.
    • استحداث تلزم البنوك بإخطار البنك المركزى بصفته الرقابية قبل قيد أى مبالغ محولة من الخارج إلى حسابات المؤسسات والجمعيات وايضا قبل إرسال أى مبالغ منها إلى الخارج.
    • استحداث مواد تجرم انشاء مؤسسات او شركات من اي نوع او مكاتب او عيادات تعمل في نفس نطاق عمل المؤسسات والجمعيات الخاضعة للقانون.
    • استحداث مواد تشريعية في قوانين الاستثمار تحفز شركات القطاع الخاص علي تمويل الجمعيات والمؤسسات التي تعمل في المجال الحقوقي عن طريق خصم التبرعات من الوعاء الضريبي.
    • استحداث مواد تشريعية تحدد مدة ولاية مجلس إدارة الجمعيات بمدة اربع سنوات وتجدد مرة واحدة فقط.

 

  • ثانيا : المقترحات الإجرائية
  • قيام وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم بإنشاء قسم او إدارة  تهتم  بمجال العمل العام والحقوقي وخدمة المسؤولية الاجتماعية  بالمدارس والجامعات وعن طريقها  يتم  نشر ثقافة العمل التطوعي والحقوقي.
  • قيام مؤسسات المجتمع المدني بتنظيم ورش عمل ومحاضرات عن العمل التطوعي داخل المدارس للطلاب وللمعلمين وتعريف مفاهيم التطوع ، أثارة ، أهميته.
  • قيام المؤسسات بالعمل علي انشاء وحدات تخطيط استراتيجي داخلية لوضع دراسات ومخططات وسيناريوهات متعددة لضمان استمرارية تدفق التمويلات اللازمة لاستدامة عملها
  • قيام المؤسسات بالعمل علي الاستثمار في مواردها البشرية وتطوير هيكلها الإدارية باستمرار ، مع العمل علي تبني رؤي واستراتيجيات واضحة ” و ” مكتوبة ” ومراجعة قدراتها المؤسسية بشكل دوري بهدف تنمية المؤسسات داخليا مما يؤدي الي استدامة العمل.
  • قيام المؤسسات بالعمل علي التواجد في الساحات الدولية وتقوية علاقتها بالإعلام الغربي وبجماعات الضغط والتأثير في الغرب بهدف التواصل بشكل وطني لعرض وجهات النظر الصحيحة عن مصر.
  • قيام المؤسسات والجمعيات بتوفير الارقام والبيانات السليمة عن انشطة الجمعية بشفافية واعلانها للرأي العام والاعلام

 

[2]–  د. أماني قنديل – التحولات في البنية والوظيفة –  المجتمع المدني بعد الثورات في مصر – مركز العربي للبحوث والدراسات

 

التحديات المو_سسية والتمويلية لمنظمات المجتمع المدني في مصر

التحديات المؤسسية والتمويلية لمنظمات المجتمع المدني في مصر

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية