العمال المهاجرين في لبنان.. أوضاع مأساوية وحقوق مهدرة

مقدمة

قد يخرج الإنسان بعيدا عن وطنه في إطار سعيه من أجل العمل أملا في فرصة يزيد بها من قدراته أو إيجاد فرصة عمل ذات دخل مرتفع تمكنه من مواجهة أعباء الحياة أو معاونة أهله على التصدي للأعباء أو هروبا من حروب أهلية تفتك بالأرواح هناك، لذا بدأ ما يعرف اصطلاحا بالعمال المهاجرين وهم الأشخاص الذين يعملون خارج حدود بلادهم وقد وضعت المواثيق الدولية لخاصة بالأمم المتحدة وبمنظمة العمل الدولية العديد من القوانين التي تكفل حماية حقوق العمال المهاجرين  في خارج بلادهم المتعلقة بانتظامهم في نقابات أو حصولهم على رواتبهم في مواعيدها المحددة أو الإجازات السنوية والمرضية أو حقهم في سكن مناسب أو حقهم في المساواة مع أبناء بلد العمال في الأجور.

وفي لبنان يعمل حوالي 250 ألف عامل منزلي مهاجر، أغلبهم نساء قادمات من بلدان أفريقيا وجنوب شرق آسيا، بما في ذلك إثيوبيا، والفليبين، وبنغلاديش، وسريلانكا، إذ تبلغ نسبة النساء العاملات في مجال العمالة المنزلية 97 في المئة من إجمالي العاملات الأجنبيات في لبنان، وتتعرض العاملات المنزليات في لبنان لانتهاكات واسعة النطاق لحقوقهن سواء في القوانيين اللبنانية التي تستثنيهن على نحو معتبر من الحماية اللازمة، أو في الممارسة الواقعية، الأمر الذي يتجلى إلى حد كبير في استثناء قانون العمل اللبناني للعاملات المنزليات من نطاق تطبيقه على النحو الذي يجعلهن غير مشمولات بحمايته بما في ذلك اشتراط حد أدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل، ويوم عطلة أسبوعي، وأجر العمل الإضافي، وحرية تكوين الجمعيات.

وتخضع العاملات المنزليات في لبنان لنظام الكفالة الجائر والذي ينتهك حقوقهن ويحد من حصولهن على سبل الإنصاف العادلة ويقيد إلى حد بعيد حركتهن، ويربطهن في الوقت ذاته بأرباب عملهن، علاوة على مجموعة من الانتهاكات الآخرى، بما فيها عدم دفع الأجر، والاحتجاز القسري، وساعات العمل المفرطة من دون إعطاء وقت راحة أو استراحات قصيرة، ناهيك عن الانتهاكات اللفظية والبدنية والجنسية.

بيد أن نظام الكفالة سابق الذكر يتعارض إلى حد كبير مع التزامات لبنان الدولية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي  يقر بحق كل شخص في التمتع بظروف عمل عادلة ومؤاتيه، إضافة إلى اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بحماية العاملات المنزليات والتي صادق عليها لبنان في عام 1977 كالاتفاقية رقم 105 المعنية بإلغاء العمل الجبري، والاتفاقية رقم 111 بشأن التمييز في مجال الاستخدام والمهنة، والتي تحظر أي تمييز على أساس الجنس في الاستخدام وظروف العمل. وفي هذا السياق، سوف نتناول في هذا التقرير أوضاع العاملات المنزليات المهاجرات في لبنان من خلال تتبع الأطر القانونية والعرفية التي تنظم سير عملهن، إضافة إلى التعرض لأبرز الانتهاكات الحقوقية التي يواجهنها في الممارسة المجتمعية، علاوة على تقديم توصيات إلى دولة لبنان قصد تحسين أوضاع العاملات المنزليات بها، وهو ما سوف نتناوله على النحو التالي بيانه:

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية