“الموازنة بين حقوق العمال وحقوق أصحاب الأعمال” ورقة سياسات

 

“الموازنة بين حقوق العمال وحقوق أصحاب الأعمال”

ورقة سياسات

تصدرها

“وحدة تحليل السياسة العامة وحقوق الإنسان”

التابعة لمؤسسة

ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان

في إطار مشروع

“الاستعراض الدوري الشامل كأداة لتحسين السياسات العامة خلال المرحلة الانتقالية”

يونيو 2017

 

 

“هذا الإصدار تم تنفيذه بمساعدة الاتحاد الأوروبي. مضمون هذا الإصدار هو مسؤولية مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان ولا يمكن بأي حال أن يعتبر انعكاسا لرؤى الاتحاد الأوروبي

تمهيد

ما بين تعزيز حقوق العمال، وإرضاء أصحاب الأعمال، تشهد مصر حالة من عدم التوازن في العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وذلك نظراً لأن آخر تعديل لقانون العمل كان بالقانون رقم 12 لسنة 2003، غير أن متغيرات المشهد الاقتصادي والعمالي والاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، وخاصة مع تبدل طبيعة العمل، وتحول الكثير من العمال إلى عمالة غير منتظمة، أصبح التعديل واجبا والتغيير لازما، ليعيد التوازن المطلوب على أثر هذه المتغيرات، مما يعيد للعمال حقوقهم من ناحية، وكسب مزيد من الاستثمارات من ناحية أخرى، دون الإخلال بين علاقة العامل وصاحب العمل.

وفي ضوء تدهور أوضاع العمالة في مصر وخاصة خلال السنوات الأخيرة، مما أثّر سلباً علي بيئة العمل وجذب الاستثمارات، تحاول هذه الورقة تقديم حلول علي مستوى السياسة العامة، لمعالجة هذه المشكلة، والخروج ببعض النتائج التي يمكن الاستفادة منها في تحسين بيئة العمل لكلاً من العامل وصاحب العمل، وتحقيق التوافق بينهم.

وتتناول ورقة “الموازنة بين حقوق العمال، وحقوق أصحاب الأعمال”، مجموعة من النقاط الأساسية في ثلاث محاور: فتبدأ الورقة بعرض العلاقة بين العامل وصاحب العمل من الناحية القانونية والحقوقية، حيث توضح هذه العلاقة من خلال المواثيق الدولية ومنظمة العمل الدولية، ثم تتناول التشريعات المحلية، ثم عرض لالتزامات مصر الدولية. وفي المحور الثاني للورقة، يتم سرد واقع العمالة في مصر، بالنسبة لأوضاع العمال من جهة، وعرض التحديات التي يواجهها أصحاب الأعمال والمستثمرين من جهة أخرى. فيما يتناول المحور الأخير رؤية مقترحة كمحاولة لخلق التوازن بين العامل وصاحب العمل، بما لا يهدر حقوق العامل، أو يضر بصاحب العمل. وتقدم الرؤية حلولاً علي المستوى التشريعي، وتوضيح دور النقابات العمالية، وكذلك إبراز دور المجالس القومية في حماية حقوق العمال، ودور الشركات ومنظمات المجتمع المدني في إطار دعم العمال وضمان حقوقهم.

المحور الأول: أوضاع العلاقة بين العامل وصاحب العمل من الناحية القانونية والحقوقية

أولاً، أوضاع العلاقة بين العامل وصاحب العمل في المواثيق الدولية

يكفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكل شخص “حق في العمل، وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة[1]“. كما يعتبر الحق في العمل أول الحقوق التي يقرها “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[2]“؛ والذي أخص بأن يتاح لكل شخص إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية. غير أن أول من تصدر للدفاع عن حقوق العمال بشكل متخصص هي منظمة العمل الدولية، التي تأسست عام 1919، ثم تحولت إلي وكالة متخصصة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة عام 1946، وتعمل وفق 4 أهداف رئيسية تتمثل في ضمان احترام الحقوق الأساسية في العمل، والمساعدة على توفير مناصب الشغل للرجال والنساء على حد سواء، وذلك إلى جانب ضمان الحماية الاجتماعية لكل العمل، وتقوية الحوار بين مختلف الأطراف المهنية.

وطوال فترة عملها، أقرت وأصدرت منظمة العمل الدولية عشرات الاتفاقيات[3]، وأصدرت عشرات التوصيات بشأن كل كبيرة وصغيرة عن حقوق العمال وتحسين أوضاعهم، وكذلك كيفية تنظيم العمل وتحديد ساعات التشغيل، وعمالة الأطفال والنساء والقضاء علي البطالة، وغيرها من الأمور التي تلامس كل العمال في جميع أنحاء العالم.

الاتفاقيات المنظمة للعلاقة بين العامل وصاحب العمل

  • تنظيم ساعات العمل: أقرت الاتفاقية رقم 30 تنظيم ساعات العمل في التجارة والمكاتب[4]، وكذلك الاتفاقية رقم 1 المتعلقة بساعات العمل في الصناعة، وحددت كلاً منها ساعات العمل 48 ساعة في الأسبوع بمعدل 8 ساعات في اليوم، غير أنها حددت ضمانات لصاحب العمل عند إمكانية زيادة هذه الساعات في بعض الحالات التي قد تتطلب الزيادة لعدم إحداث ضرر للمنشأة أو لصاحب العمل. وفي ذات الإطار يتم حينها احتساب ساعات عمل إضافية لا يقل أجرها عن مرة وربع من قيمة الساعة الأساسية.
  • الحريات النقابية: أقرت الاتفاقية رقم 87 لسنة 1948، بشأن الحريات النقابية وحماية حق التنظيم، والتي أكدت للعمال وأصحاب العمل دون أي تمييز الحق في إنشاء منظماتهم والانضمام إليها وذلك دون ترخيص مسبق ، وفي إنشاء اتحادات واتحادات عامة والانضمام إليها وإلى المنظمات الدولية. ولمنظمات العمل وأصحاب العمل الحق في وضع دساتيرها ولوائحها الإدارية ، وانتخاب ممثليها بحرية كاملة ، وتنظيم إدارتها ونشاطها وإعداد برامج عملها ، كل ذلك دون أي تدخل من السلطات العامة يقيد أو يعيق هذا الحق وممارسته المشروعة ، ودون أن يكون للسلطة الإدارية الحق في حل هذه المنظمات أو وقف نشاطاتها. وأن يحترم العمال وأصحاب العمل ومنظماتهم قوانين الدولة في ممارستهم لهذه الحقوق ، وأن تتخذ الدولة التدابير اللازمة لضمان ممارسة حقهم في التنظيم بحرية.
  • الأمراض المهنية والحق في التعويض: كفلت الاتفاقية رقم 18 لمنظمة العمل الدولية، تعويض العمال عن الأمراض المهنية أو الإصابة بالعجز بسبب أمراض مهنية، أو حوادث العمل أو الوفاة نتيجة الإصابة في العمل، وأتاحت التعويضات طبقاً لما تراه كل دولة علي حدة طبقاً لتشريعاتها الداخلية.
  • حماية العمال ضد التمييز: أكدت الاتفاقية رقم 98 لسنة 1949، علي تمتع العمال بالحماية من أي عمل ينطوي على تمييز في مجال الاستخدام بسبب انتمائهم النقابي ، وبشكل خاص جعل استخدامهم مشروطاً بعدم الانضمام إلى نقابة أو مشروطاً بتخليهم عن عضويتها، أو إنهاء خدمات أي منهم أو الإساءة إليه بسبب الانضمام إلى نقابة أو ممارسة أنشطة نقابية خارج أوقات العمل ، أو بموافقة صاحب العمل خلال أوقات العمل.
  • توفير الحماية للعمال وممثليهم: أقرت منظمة العمل الدولية بحماية منظمات العمال وأصحاب العمل من تدخل بعضها في شؤون الأخرى، وبشكل خاص تشجيع إقامة منظمات عمالية تخضع لسيطرة أصحاب العمل أو منظماتهم، أو السيطرة على منظمات عمالية قائمة بوسائل مالية أو بوسائل أخرى. وفي إطار حماية ممثلي العمال أقر مؤتمر العمل الدولي الاتفاقية رقم (135) بشأن توفير الحماية والتسهيلات لممثلي العمال في المؤسسات لعام 1971 والتوصية رقم (143) التابعة لها، واللتان أكدتا على حماية ممثلي العمال من التصرفات الضارة بهم ومن ذلك إنهاء خدماتهم لأسباب تتعلق بممارسة مهامهم. ومراعاة عدم تأثر هذه التسهيلات على سير العمل في المؤسسة ، أو على خصائص العلاقة الصناعية في الدولة وحجم المؤسسة وإمكانياتها. المستخدمين في المستويات العليا ، والمستخدمين الذين تتسم واجباتهم بالسرية التامة وأفراد القوات المسلحة والشرطة.
  • حماية الأجور : أقرت الاتفاقية رقم 95 لسنة 1949 بشأن حماية الأجور[5]، والتي تعمل علي خلق حالة من التوازن داخل العمل، وتحافظ علي حقوق العامل في تقاضى الرواتب.
  • حق التنظيم والمفاوضة الجماعية: أقرت الاتفاقية رقم 98 لسنة 1949 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية[6]، واهتمت بتمتع العامل بالحماية الكافية من كل عمل ينطوي علي تمييز في مجال الاستخدام بسبب انتمائهم النقابي، وضمان عدم تسريح العامل بسبب انضمامه إلي نقابة ما أو مشاركته في أنشطة نقابية خارج ساعات العمل.
  1. المساواة في الأجر: أقرت الاتفاقية رقم 100 لسنة 1951 بشأن الأجر المتساوي، والتي تعمل علي تحقيق المساواة بين العاملين والعاملات في تقاضي الأجر دون تمييز قائم علي أساس الجنس
  • الحد الأدنى للأجور: أقرت الاتفاقية رقم 131 لسنة 1970 بشأن تحديد حد ادني للأجور، وأشارت بشكل خاص إلي البلدان النامية، والتي دعت حكومات كل دولة إلي تحديد المجموعات المغطاة من العاملين بالأجر، بعد التشاور مع ممثلي أصحاب الأعمال والعمال المعنيين.
  • الإجازة الدراسية مدفوعة الأجر:أقرت التوصية رقم 140 لسنة 1974 بشأن الأجازة الدراسية المدفوعة الأجر، والتي تري أن اعتبار الأجازة الدراسية المدفوعة الأجر بمثابة وسيلة تكفل مواجهة الاحتياجات الحقيقية لكل عامل في أي مجتمع حديث.
  1. تحسين بيئة العمل: أقرت الاتفاقية الدولية رقم 148 لسنة 1977 بشأن بيئة العمل ( تلوث الهواء ، الضوضاء ، الاهتزازات)، بهدف اتخاذ تدابير للوقاية من المخاطر المهنية الناجمة عن تلوث الهواء والضوضاء والاهتزازات في بيئة العمل والسيطرة عليها وحماية العمل منها.

 

ثانياً، أوضاع العلاقة بين العامل وصاحب العمل في التشريعات المصرية

  1. الدستور المصري

كفل الدستور المصري حقوق العمال وكذلك أصحاب الأعمال بمجموعة من المواد، بداية من الاعتراف بأن العمل حق للمواطن[7] وواجب في ذات الوقت، وحظر إلزام أي مواطن بالعمل جبراً إلا بقانون. فيما أقرت المادة 13 من الدستور بالتزام الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفيي العملية الإنتاجية، وتكفل سبل التفاوض الجماعي، وتعمل على حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، ويحظر فصلهم تعسفيًا، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون. وهي المادة التي أقرت فيها الحكومة وبطريقة مباشرة تنظيم العلاقة بين طرفي العملية الإنتاجية والمقصود بهما العامل وصاحب العمل.

  1. قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003

يعد قانون العمل المصري، هو الوسيلة الرئيسية التي تكفل حقوق العمال بشكل تفصيلي، وكذلك توضيح العلاقة بين العامل وصاحب العمل، ويعمل علي خلق التوازي بينهما، وهو القانون المعني بالقطاع الخاص أو المنشأة الفردية. غير أن هذا القانون القديم، لم يعد يواكب العصر ولا الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد الفترة الحالية، فلم يذكر القانون كيفية الإلزام بالحد الأدنى للأجور أو كيفية تطبيقه في ظل ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم. ومن أبرز مواد القانون ذات الخلاف والتي تشمل محور العلاقة بين العامل وصاحب العمل: المادة 57، حظرت علي العامل جمع نقود أو تبرعات أو توزيع منشورات أو جمع توقيعات أو تنظيم اجتماعات داخل مكان العمل بدون موافقة صاحب العمل، مع مراعاة ما تقضى به أحكام القوانين المنظمة للنقابات العمالية . وفي المادة 104 من قانون العمل القديم، كان هناك ما يسمي بعقد محدد المدة، والتي تعتبر العقد منتهياً بانتهاء المدة المحددة. والمادة 106 من ذات القانون، والتي تجيز تجديد العقد محدد المدة بعد انقضاء المدة، بأن يتم التجديد باتفاق جديد، أي بشروط جديدة.

أما المادة 107 من نفس القانون، توضح إذا أبرم عقد العمل لإنجاز عمل معين ، انتهى العقد بإنهاء هذا العمل ، فإذا استغرق الإنجاز مدة تزيد على خمس سنوات لا يجوز للعامل إنهاء العقد قبل إتمام إنجاز العمل. وفي المادة 127: يحظر علي صاحب العمل إنهاء عقد العمل لمرض العامل إلا إذا استنفد العامل إجازاته المرضية وفقاً لما يحدده قانون التأمين الاجتماعي ، بالإضافة إلي متجمد إجازاته السنوية المستحقة له.

المواد 192-195، والخاصة بحق العامل في الإضراب السلمي، ووضعت مجموعة من الضوابط لقيام العمال بالمطالبة بحقوقهم. والمادة 47 الخاصة بالإجازات، تكون مدة الأجازة السنوية 21 يوما بأجر كامل لمن أمضى في الخدمة سنة كاملة. وكذلك المواد من 232 وحتى 257 ، والخاصة بالضبطية القضائية والعقوبات.

 

ثالثاً، التزامات مصر الدولية بشأن أوضاع العمال

في أثناء خضوع مصر لآلية الاستعراض الدوري الشامل عام 2014، تلقت الحكومة المصرية مجموعة من التوصيات بلغ عددهم 300 توصية، وأيدت تنفيذ 223 توصية بشكل طوعي، سيتم مساءلتها عن تنفيذها خلال الدورة القادمة في 2018، ومن بين التوصيات التي تلقتها مصر، عدد من التوصيات المتعلقة بأوضاع العمال، وبشكل خاص عمال المنازل والمرأة العاملة وعمالة الأطفال، فقد أوصت الفلبين بالنظر في إدخال تعديلات على قانون العمل ليشمل العاملين في المنازل ويحميهم، ويحظر العمل المنزلي الاستغلالي. فيما أوصت فلسطين بتعزيز الجهود الرامية إلى ضمان تمتع المرأة بتكافؤ فرص العمل.

كما أوصت بوليفيا بمواصلة العمل لضمان تمتع المرأة بحقوق متساوية في مكان العمل من خلال المؤسسات والقواعد والسياسات العامة للدولة، أما المغرب فقد أوصت بمواصلة اتخاذ تدابير لتعزيز وحماية حقوق المرأة ، ولاسيما في مكان العمل. فيما أوصت صربيا بتعزيز التدابير الرامية إلى القضاء على الاستغلال الاقتصادي للأطفال ، وتعديل قانون العمل الوطني لمواءمته مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 المتعلقة بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها. وأوصت السنغال بتعزيز رصد العمل المنزلي وتنظيمه.

المحور الثاني: واقع العمالة في مصر

أولاً، التحديات التي يواجهها العامل في مصر

يعد العمال أحد الركائز الأساسية في معادلة التنمية، ولا تزال المطالبة بحقوقهم تتصدر المشهد، وفى مصر عانى العمال على مدار سنوات من ضياع لحقوقهم خاصة مع بداية تطبيق برنامج الخصخصة في عهد الرئيس الأسبق مبارك، ومع ما شهدته مصر من أحداث سياسية متغيرة خلال السنوات الأربع الماضية زادت مشاكل العمال بعد توقف عدد من المصانع عن الإنتاج.

  • تأتي علي رأس تحديات العاملين في القطاع الخاص ما يعرف باستمارة 6، وهي عبارة عن استمارة يقدمها صاحب العمل للتأمينات أو الجهات الحكومية لإثبات نهاية خدمة العامل الموقع عليها، وتكمن المشكلة في أن بعض رجال الأعمال يجبرون الشباب على التوقيع على استمارة 6 قبل توقيع عقد التعيين، وبالتالي يحق لصاحب العمل فصل العامل دون أي اعتراض من جهته.
  • عدم وجود حد أدنى وأقصى للأجور، وهو ما جعل صاحب العمل يتحكم بأقل ما يمكن أن يعطيه كأجر للعامل تحت مبدأ العرض والطلب، وفي ظل الأوضاع المعيشية السيئة وانتشار البطالة ، يلجأ الشباب إلي قبول وظائف بأجر يكاد يكون كافي للمآكل والمشرب، ولا يكفل لهم حياه كريمة، وفي ذات السياق فإن الكثير من المديرين تُركت لهم تحديد مرتبات مبالغ فيها دون وجود حد أقصى ينظم ذلك، وهو ما أدى خلال سنوات إلي انتشار الفقر بين فئة كبيرة من الشعب.
  • أقر قانون العمل ما يسمي بعقد محدد المدة[8]، والذي والتي يعتبر العقد منتهياً بانتهاء المدة المحددة، مما فتح المجال أمام غالبية الشركات، في تحديد مدة لعقد العامل سنة أو اثنان أو ثلاثة، ثم يتم فسخ التعاقد، والتعاقد مع أشخاص آخرين بنفس الطريقة، وذلك لعدم الالتزام بعقد مفتوح أو ما يسمي بعقد غير محدد المدة، والذي من شأنه حصول العامل علي العديد من الحقوق والتي يتجنبها صاحب العمل بالتأكيد.
  • في المادة 106 من القانون، تجيز تجديد العقد محدد المدة بشروط جديدة، الأمر الذي جعل الكثير من الشركات تتحايل علي القانون مستغلين هذه الثغرة الفادحة، في أنه بعد انقضاء مدة العقد وتجنباً لتحويله إلي عقد غير محدد المدة، تلغي التعاقد ثم تتعاقد مرة أخرى مع العامل بعقد جديد وشروط جديدة وهكذا، فلم يعد لصاحب العمل حاجة لعقد مفتوح مع العامل، وبالتالي إهدار لحقوقه.
  • عدم إلزام أصحاب الأعمال بصرف العلاوات الاجتماعية والسنوية، مما جعل صاحب العمل هو الرابح الوحيد من العملية الإنتاجية.
  • الاستمرار في الاعتماد علي شركات توظيف العمالة التي أعادت العمال لعهود السخرة.
  • السماح في قانون الاستثمار رقم 17 لسنة 2015، للشركات الأجنبية بالاستعانة بعمال أجانب بما يساهم في رفع معدلات البطالة.
  • حظرت المادة 127 علي صاحب العمل إنهاء عقد العمل لمرض العامل إلا إذا استنفد العامل إجازاته المرضية، أي أن العامل إذا أصيب خلال عمله، أو تعرض لمرض ما، ولم يقدر علي استكمال العمل، يحق لصاحب العمل إنهاء العقد، وهو ما يعد انتهاكاً لحقوق العامل.
  • التحديات النقابية المتمثلة في كثرة تشكيل النقابات العمالية المستقلة بعد الثورة، غير أن رجال الأعمال قد سارعوا في تشكيل نقابات مستقلة واتحادات عمالية، ليستفيدوا من الحصول علي تمويلات أجنبية تحت مسمي دعم النقابات المستقلة، ويسافرون إلي الخارج لعقد اجتماعات، مما يوحى بعدم مصداقية كلمة مستقلة، وتبعيتها للجهة الممولة، الأمر الذي أثر سلباً علي باقي النقابات المستقلة التي فشلت في الحصول علي دعم وتمويل، بل وتشهد النقابات المستقلة حملات تشويه اتخذت من التفتت بين النقابات المستقلة تصوير للرأي العام بأنه صراع مصالح وزعامات وليس صراع نقابي. وكذلك رفض بعض الشركات والجهات التفاوض مع النقابات المستقلة، مما يحد من دور النقابات، بالإضافة إلي عدم وجو خطط واضحة لتنمية العضوية بحيث نجد مصنع يضم 16 ألف عامل، وبه نقابة مستقلة تضم 600 عضو فقط.
  • ومن أبرز التحديات النقابية العجز عن تقديم خدمات ومصايف ورحلات، واقتصر الدور النقابي في الخدمات الاجتماعية، وكأنها الوظيفة الوحيدة للنقابة، وليس البحث عن شروط العمل اللائق والمفاوضات الجماعية.
  • اعتماد الحكومة وبعض الوزارات علي المنتجات المستوردة، مما ساهم في ضرب الصناعة المصرية، مثلما حدث مع أزمة السكر.
  • وجود أكثر من ثلاثة آلاف مصنع متوقف عن العمل، ومع ذلك لا يوجد حلول بديلة لكيفية استغلال تلك المصانع وزيادة الاستثمار مما يساهم في توفير فرص عمل، بضوابط لائقة لحقوق العمال.
  • المادة 47 في قانون العمل والخاصة بالإجازات، لم تراعي مبدأ عدم التمييز مع العاملين بالدولة، فحددت الإجازة السنوية 21 يوماً، ولمن تخطى 50 عاماً 30 يوم، في حين أن العامل المدني الذي تخطى الخمسين يحصل علي إجازة 45 يوماً، كما يحظى العامل الحكومي علي امتياز الإجازة العارضة 7 أيام، غير أن القطاع الخاص يدرج الإجازة الخاصة من ضمن الإجازة السنوية، بالإضافة إلي امتياز القطاع العام حق العامل إذا عمل في يوم عطلة رسمية، أن يؤجر ضعف أجر اليوم بالإضافة إلي يوم آخر بديل عن اليوم الذي عمله.[9]
  • قيد قانون العمل حقوق العمال في الإضراب السلمي، وهو ما يكبل حقهم الشرعي في التعبير عن استيائهم تجاه إدارة المنشأة، فرغم إقرار المادة 192 الحق في الإضراب السلمي، إلا أن الضوابط التي تلتها في ذات المادة والمواد التالية قيدت هذا الحق، فمثلاً يجب عند الإضراب موافقة مجلس إدارة النقابة العامة بأغلبية ثلثي الأعضاء، ثم إخطار صاحب العمل قبل الإضراب بعشرة أيام بكتاب مسجل بعلم الوصول، وتحديد أسباب الإضراب، ومدته الزمنية، كما حظر الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت الإستراتيجية أو الحيوية التي يترتب علي توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي أو الخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين، وهو الأمر الذي يعد تناقضاً في إتاحة حق الإضراب، ثم تقييده في ذات الوقت.
  • العقوبات، إن العقوبات الواردة بقانون العمل غير رادعة، فهناك أكثر من 50 مادة، وضعت لها الغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه، وهو الأمر الذي يحتاج مراجعة وعقوبة أشد.


 

ثانياً، التحديات التي يواجهها صاحب العمل والمستثمر

لا تقتصر العلاقة بين العامل وصاحب العمل علي وجود تحديات ومشكلات للعامل فحسب، بل هناك عدة تحديات تواجه صاحب العمل، وتؤثر علي جذب مستثمرين أجانب للاستثمار في مصر، ومن أبرز تلك التحديات:

  • التعليم والتدريب[10]، تأتي في مقدمة تحديات أصحاب الأعمال، فنسبة كبيرة من العاملين في صناعة الملابس عمالة غير مدربة وفى حالات كثيرة غير متعلمة وتتحمل المصانع عبء التدريب، مع العلم بأن نسبة دوران العمالة من المصانع في مصر تصل إلى 20% سنوياً وهى من أعلى النسب في العالم فىي هذه الصناعة. ويرجع ذلك إلى أن نسبة كبيرة من العاملين في الملابس من السيدات التي تعمل فترة من الزمن لحين الزواج ثم تترك العمل بالإضافة إلى التنافسية الشديدة ما بين المصانع على العمالة وترك عمال المصانع للحصول على آجر أعلى. وبالتالي فإن تحمل المصانع تكلفة التدريب مقابل سرعة ترك العمل تؤثر تأثيراً مباشراً على ربحية المصنع.
  • ثقافة العمل، يفتقر العمال إلي إرساء ثقافة العمل ومنها أهمية الاستخدام الأمثل للوقت والكفاءة وأهمية الجودة في الإنتاج والانضباط في العمل. فمثلاً نسب غياب العاملين في المصانع تصل إلى 10%، كما أن الوقت الذي يتم إهداره في تناول الطعام واستخدام دورات المياه والصلاة أضعاف مثيله في دول أخرى منافسة وهناك دراسات قد احتسبت الوقت المهدر في مصر في حدود الـ 20% من وقت الإنتاج.
  • الافتقار إلى بعض البديهيات مثل غسل اليدان بعد الأكل للحفاظ على نظافة المنتج وأنه حتى بعد لفت النظر لهذه القواعد الأساسية يتم التحايل عليها وعد الالتزام بها. كما نفتقر في ثقافة العمل في مصر إلى فكرة الجودة، نجد أن العين غير مدربة على اكتشاف الأخطاء وهو ليس عيب في التدريب المهني ولكنه عيب في التعليم عامةً في مصر وغرس ثقافة الجودة والدقة والانضباط.

المحور الثالث : الرؤية المقترحة

أولاً، التعديلات التشريعية

يجب تعديل قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، والخروج بقانون جديد يواكب التقلبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها مصر منذ ثورة يناير 2011، وذلك علي النحو الذي يكفل بيئة عمل جيدة للعامل، وبما لا يضر بالإنتاج أو بمصلحة صاحب العمل؛ وينبغي أن يكفل القانون الجديد عدة نقاط أساسية لا تزال تمثل العائق الأكبر بين العامل وصاحب العمل، ولكن في البداية يجب إلغاء استمارة 6 والتي تركت المجال لصاحب العمل في فصل العامل تعسفياً دون أي مسائلة، وعند تعديل القانون يجب مراعاة الآتي:

  • تفعيل دور المجلس القومي للأجور، وهو المعني بتحديد كلاً من الحد الأدنى والأقصى للأجور، وإلزامه بضرورة الانعقاد بشكل دوري لبحث متغيرات الأوضاع المعيشية، وربط المرتبات بالأسعار
  • وجود نص تشريعي يلزم صاحب العمل بصرف علاوة سنوية للعامل يتم تحديد نسبتها من قبل المجلس القومي للأجور، حتى يراعي نسبة العلاوة في كل عام علي حدة علي حسب المتغيرات المعيشية.
  • ضرورة إلغاء شركات العمالة الخارجية، وحصر السفر من أجل العمل علي وزارة القوة العاملة والهجرة، نظراً لوجود العديد من شركات العمالة التي تعمل بالنصب علي المواطنين، وتستقطع من أجورهم نسبة مقابل تسهيل حصولهم علي عقود، وكذلك يجب وجود قانون خاص بشركات التوظيف بالداخل يجرم حصول الشركة من أي مقابل مادي من راغب العمل، نظير توفيره لفرصة عمل.
  • إلغاء المادة 104 من قانون العمل الخاصة بالعقد محدد المدة، والذي ينتهي بنهاية العقد، ولا يلزم صاحب العمل بأي حقوق للعامل.
  • إلغاء المادة 106 من قانون العمل، والتي تجيز تجديد العقد محدد المدة بشروط جديدة.
  • يجب وجود مادة تضمن حق العامل وكذلك حق المستثمر بالنسبة للعقود بهدف تنفيذ مشروع معين في فترة زمنية محددة، بما لا يجبر المستثمر علي تثبيت التعاقد مع العامل حال مد فترة المشروع، وفي ذات الوقت لا يضر العامل، ولذلك نقترح ” يجوز للمستثمر الأجنبي إبرام عقود محددة المدة طوال فترة عمل المشروع، وتحديد فترة عمل المشروع عند الإعلان عن الوظيفة، فإذا لم ينتهي المشروع وانتهي وقت العقد، يجوز التجديد فترة أخرى، ولا يجوز فصل العامل بعد إتمام التجديد، وإذا توسع المشروع ولم ينتهي في الفترة الثانية، أصبح العقد غير محدد المدة “.
  • تعديل المادة 127 من ذات القانون والتي تعطي الحق لصاحب العمل في إنهاء التعاقد إذا طالت فترة مرض العامل، علي الرغم من إصابة العامل بالمرض أو العجز أثناء عمله، ولذلك فتقترح الورقة ” إذا استنفذ العامل إجازته المرضية ولم يتم شفاؤه أو لم يستطيع استكمال عمله، يحق للعامل معاش اجتماعي كامل، وتصرف له مكافئة نهاية الخدمة طبقاً لعدد السنوات التي قضاها في العمل”.
  • تعديل المادة 47 الخاصة بالإجازات، والمساواة مع العاملين بالدولة في صرف بدلات الإجازات، فلكل عامل الحق في إجازة سنوية 21 يوم، ولمن تخطى سن الخمسين له الحق في 45 يوم، بالإضافة إلي المساواة في 7 أيام عارضة، وفي حالات الضرورة عند اشتغال العامل أثناء عطلة رسمية، يحق له صرف بدل يومين عن يوم العمل الإضافي، فضلاً عن يوم تعويض في يوم آخر”.
  • ضرورة تعديل المواد الخاصة بالإضراب السلمي للعمال وهي المواد من 192: 195، وتبسيط قواعد الإضراب دون الإخلال بحقوق العمل، وتقترح الورقة أن تنص المادة علي ” يحق للعامل الإضراب السلمي داخل منشأة العمل بعدة شروط، منا إخبار صاحب العمل بمشكلاتهم في نطاق القانون، وإذا لم يستجيب صاحب العمل، يتم تنظيم الإضراب بشكل سلمي، ودون استخدام أي أدوات أو إجراء أي أعمال تخريبية، ويجب إنهاء الإضراب ما إذا تدخل صاحب العمل وطلب التفاوض مع العمال، عندئذ يقوم ممثلين للعمال بالتحدث عن مشكلاتهم أمام صاحب العمل، والوصول إلي حل يرضي جميع الأطراف”.

ثانياً، دور النقابات العمالية

  • يجب توحيد النقابات العمالية داخل كل منشأة، فتعدد النقابات لا يفيد العامل علي قدر ما يفيد أعضاء النقابات أنفسهم ومصالحهم الشخصية.
  • ضمان استقلال العمل النقابي بعيداً عن سيطرة الحياة الحزبية والسياسية، من أجل مراعاة حقوق العمال في المقام الأول، وعدم ترك المجال للصراع بين الأحزاب تحت شعار حقوق العمال.
  • الالتزام بمبادئ المساءلة والشفافية ومراعاة دورية الانتخابات النقابية، وعدم السماح بمد فترات للنقيب المنتخب، حتى يتسنى لأكبر قدر ممكن من المشاركة بشكل أكثر تمثيلاً لجميع فئات العمال.
  • العمل علي توسيع صلاحيات الحركة العمالية، بأن يتجاوز دور النقابات مسألة الأجور فقط، وتفعيل دورها في سائر أنشطة المجتمع.

ثالثاً، دور المجالس القومية في حماية العمال

  • للمجالس القومية دور هام في إبراز مشكلات العمال، ونشرها للرأي العام، حتى يشعر العامل بأن هناك من يدعمه، وذلك يجب أن تقوم المجال القومية وعلي رأسها المجلس القومي لحقوق الإنسان بتشكيل لجان لتقصي الحقائق، تقوم بزيارات مفاجئة للمصانع والشركات وجميع المؤسسات العمالية، من أجل التقصي عن أوضاعهم والسماع لشكواهم.
  • يجب أن يكون هناك مكتب تابع للمجلس القومي لحقوق الإنسان، يختص بتلقي شكاوى العمال، وبحث شكواهم، والتواصل مع الجهات المعنية لحل هذه المشكلات، وتكون مختصة بتشكيل لجان تقصي الحقائق.

رابعاً، دعم الشركات والمجتمع المدني للعمال

  • يجب إشراك المجتمع المدني في الحوار المجتمعي عند البدء في التعديلات التشريعية المتعلقة بالعمل.
  • تعزيز دور المجتمع المدني في تلقي شكاوى العمال، وتيسير سبل التواصل بين منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية لحل مشكلات العمال.
  • توعية الشركات وحثها علي مراعاة حقوق العمال، ووضعها محل الاعتبار نُصب أعينهم، في سبيل التوفيق بين العامل وصاحب العمل، وبث روح التشاور بين الجهتين في إعلاء مصلحة العمل، وبما يحفظ حقوق العامل.

 

[1] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 23 ، النقاط من 1-4

[2] العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الجزء الثالث، المادة السادسة، النقطة الأولى.

[3] يمكن الاطلاع علي جميع الاتفاقيات والتوصيات من خلال الرابط التالي: http://bit.ly/2qK7Pyt

[4] منظمة العمل الدولية- الاتفاقية رقم 30-  حددت الاتفاقية بعض الاستثناءات لبعض الأعمال لإتاحة زيادة ساعات العمل، ففي حالة توقف العمل بسبب إجازة الأعياد، يجوز تعويض تلك الساعات في الأيام التالية مع مراعاة ألا يعمل العامل أكثر من ساعة واحدة في اليوم، ولا يتخطى ككل 10 ساعات يومياً، ولا يتم التعويض بأكثر من 30 يوم في السنة.

[5] مؤتمر العمل الدولي، الاتفاقية رقم 95 ، اتفاقية بشأن حماية الأجور http://bit.ly/2qALKUt

[6] مؤتمر العمل الدولي، الاتفاقية رقم 98، اتفاقية بشأن تطبيق مبادئ حق التنظيم والمفاوضة الجماعية.

[7] الدستور المصري 2014: باب المقومات الأساسية للمجتمع، المادة 12  ” العمل حق , وواجب , وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل .”

[8] قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003، المادة 104

[9] قانون العاملين بالدولة رقم 47 لسنة 1978، والمعدل بالقانون رقم  504 لسنة 2000، باب الإجازات ، المواد من 62 – 75

[10] http://bit.ly/2rL555r

 

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية