حتى لا تخسر الشرطة الظهير الشعبي في حربها مع الإرهاب رؤية نقدية وإصلاحية تقدمها مؤسسة ماعت

تمهيد منذ 30 يونيه 2013 أي على مدار عام ونصف ، تخوض الأجهزة الأمنية المعنية في مصر ( الشرطة – القوات المسلحة) حربا شرسة مع إرهاب أسود ينتهك الحق في الحياة ويقوض مقومات الأمان الشخصي ويعطل جهود التنمية ، وقد دفعت هذه الأجهزة منذ هذا التاريخ ثمنا فادحا في تلك الحرب يتمثل في أرواح المئات من أبنائها الذين استشهدوا على يد جماعات متطرفة إرهابية . وبالتوازي مع الاعتراف الحتمي بهذه الحقيقة ، والنظر بعين الإكبار والإجلال لتضحيات الشهداء ، فإن هناك تساؤلات جوهرية تطرح نفسها في الوقت الراهن نتيجة ما يتم رصده وتوثيقه من قبل منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان بشأن وجود تجاوزات وانتهاكات يقوم بها بعض المحسوبين على جهاز الشرطة ، فضلا عن وجود إدانات ثابتة للبعض الأخر بمقتضي أحكام قضائية أو بمقتضي تقارير لجان تقصي الحقائق ( قضية سيارة الترحيل بسجن أبى زعبل على سبيل المثال ) . ربما يكون من أهم هذه الأسئلة : هل يحرص جهاز الشرطة على كسب تأييد الظهير الشعبي في حربه على الإرهاب ؟؟ وهل ممارسات العديد من المنتسبين للجهاز تصب في هذا الاتجاه ؟ وهل تغيرت بالفعل عقيدة قيادات وضباط الجهاز الأمني المهم باتجاه احترام حقوق الإنسان والتأكيد على حفظ الكرامة الإنسانية أثناء أداء مهامهم الموكلة إليهم ؟ والسؤال الأهم إلى أي مدي يحرص جهاز الشرطة على توصيل رسالة واضحة للمواطن المصري بأن ممارسات ما قبل 25 يناير 2011 لن تعود ؟ إن توجيه هذه التساؤلات في هذا التوقيت الحرج دافعه الأساسي هو مساعدة الشرطة المصرية على الوفاء بالتزاماتها والقيام بواجبها في إطار من الكفاءة والقدرة المهنية وفي نفس الوقت احترام القانون ومعايير حقوق الإنسان ، وهذا الإطار هو الوحيد الذي يضمن لجهاز الشرطة توفر ظهير شعبي مساند لها في حربها على الإرهاب ، وبدونه لن نستطيع – كوطن – الانتصار في هذه الحرب . لذا فإن تعاطي جهاز الشرطة مع ” النقد ” الذي يوجه إليه في هذا الميدان يجب أن لا يكون تعاطيا ” حساسا” ، وأن لا تهتم قيادات الداخلية ” بنفي التهم” ، بقدر اهتمامها بإصلاح الأوضاع ومحاسبة المسئولين عن الانتهاكات والتجاوزات ، والسعي بجدية لتبني استراتيجية تضمن عدم تكرارها مستقبلا . ممارسات بعض ضباط الشرطة أثناء القبض والترحيل ..عودة لعصر ما قبل يناير 2011 وفقا لتقارير متعددة من بينها تقرير اللجنة القومية المستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق التى واكبت ثورة 30 يونيو 2013 وما أعقبها من أحداث، وتوثيقها وتأريخها” ، والمشكلة بقرار رئيس الجمهورية المؤقت قم 698 لسنة 2013 في 21 ديسمبر 2013 ” برئاسة الأستاذ الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض، القاضي الدولي السابق وأستاذ القانون، وبناءا على ما رصدته ونشرته العديد من منظمات المجتمع المدني المعنية بقضايا التعذيب ، فإن بعض من المنتسبين لجهاز الشرطة قد ارتكبوا مخالفات وتجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان أثناء عمليات القبض والترحيل للمطلوبين في قضايا مختلفة . وبالعودة إلى تقرير لجنة تقصي حقائق 30 يونيه ، نجد ان التقرير يؤكد على عدم التزام بعض ضباط الداخلية بمعايير حقوق الإنسان أثناء عمليات القبض والاحتجاز والترحيل ، فقد وثق التقرير شهادات لحوالي ” نصف ” المحتجزين الذين قابلتهم اللجنة أفادوا فيها بتعرضهم للعنف أثناء القبض عليهم أو وجودهم بأقسام الشرطة أو أثناء ترحيلهم . القبض العشوائي … أخطاء تستوجب التوقف عندها طويلا . على مدار الفترة الماضية ، وعلى الرغم من النجاح الذي أحرزته أجهزة الشرطة في القبض على مطلوبين ومرتكبي جرائم وأحداث عنف عقب الموجة الثورية الثانية في 30 يونيه 2013 ، إلا أن هناك حالات شهدت قبض عشوائي على بعض الأشخاص لم يكونوا متهمين في قضايا عنف وإرهاب ، ومن ثم بدا بعض ضباط في بعض الأحيان وكأنهم لا يتحققون من شخصية من يتم القبض عليهم ، ولا يبذلون مجهودا مطلوبا وضروريا في الوصول للمتهمين الحقيقيين . الخدمات المقدمة للمواطنين ..لا يزال التعقيد سيد الموقف لازالت حزمة الخدمات ذات الطبيعة المدنية التي تقدمها وزارة الداخلية للمواطنين تتسم بالتعقيد الشديد والبطء وتدني الجودة بشكل ملحوظ ، ولازالت الإجراءات التنظيمية الحاكمة للحصول على خدمات المرور والأحوال المدنية تفتح الباب واسعا للفساد والرشوة ، خاصة على نطاق الأفراد والأمناء وصغار الضباط والموظفين المدنيين بالوزارة . فالمعاناة التي يتكبدها الموطن والوقت الذي يهدره للحصول على هذه الخدمات يرسخ لانطباعات سلبية إزاء الوزارة وأجهزتها ، حيث لاتزال غالبية الخدمات غير مميكنة ، ويعاني الراغبين في الحصول عليها من الوقوف في طوابير طويلة وغير منظمة ، ولازال تعامل مقدمي الخدمة من الموظفين وصغار الرتب سيئا ومتعجرفا في معظم الأماكن . نحو خطوات جادة للحفاظ على الظهير الشعبي باحترام حقوق الإنسان إن استمرار هذه الممارسات ، حتى لو كانت تمارس على نطاقات محدودة ، سيخصم من رصيد الدعم الشعبي لجهاز الشرطة في حربه على الإرهاب ، وعدم اتخاذ خطوات جادة وعاجلة لضمان احترام حقوق الإنسان – سواء خلال التعامل الأمني او خلال تقديم الخدمات المدنية – سيزيد من معدلات عدم الرضا عن أداء الوزارة ، لذا فإن مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان ، ومن منطلق حرصها على دعم الممارسات الأمنية التي تحترم حقوق الإنسان ، وإيمانها بأن الدعم الشعبي ضرورة لازمة لحسم الحرب على الإرهاب فإنها تقدم التوصيات التالية لصناع القرار في وزارة الداخلية :- 1- تشكيل لجنة خبراء استشارية دائمة في مجال حقوق الإنسان ، ويجب أن تضم اللجنة الخبراء المستقلين الذين يلقون احتراما على المستوى المحلي والدولي ولديهم سجل مهني وعلمي مشرف في مجال حقوق الإنسان ، على أن تكون مهمة هذه اللجنة مراجعة استراتيجيات وسياسات وزارة الداخلية من منظور حقوق الإنسان وتقديم التوصيات والرؤى لمتخذي القرار في الحكومة والوزارة ، والإشراف على برامج التدريب والتأهيل والتوعية لكوادر الوزارة ، ومساعدة لجان تلقي الشكاوى ، و التفتيش والتحقيق الداخلي في مهامها . 2- تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في كافة الوقائع التي تم رصدها وتوثيقها من قبل منظمات المجتمع المدني ولجان تقصي الحقائق خلال العام ونصف المنقضي ، والتي تتضمن مخالفات وانتهاكات قام بها بعض المحسوبين على وزارة الداخلية واتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية ضد كل من ستثبت تورطه في مثل هذه الأعمال . 3- يجب على النيابة العامة أن تعزز من مراقبتها على أداء جهاز الشرطة خلال مراحل القبض والاحتجاز والترحيل . 4- وضع نظام شفاف وفعال لتلقي شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق فيها والرد على مقدمي الشكاوى ، ويجب على مجلس حقوق الإنسان والنيابة العامة أن يلعبا دورا واضحا في هذه العملية . 5- وضع استراتيجية تتضمن برامج عمل تنفيذية محددة زمنيا لتطوير الخدمات المدنية التي تقدمها وزارة الداخلية بشكل ينال رضا المستفيدين من هذه الخدمات ويسمح بإشراكهم في تقييمها بشكل مستمر ودوري ، على أن يتضمن هذا التطوير التوسع في ميكنة الخدمات وأدائها عبر الانترنت ، وتشديد العقوبات القانونية على طالبي ومتلقي الرشوة .

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية