مبررات إلغاء عقوبة الإعدام في بعض الجرائم في التشريع المصري

مبررات إلغاء عقوبة الإعدام

في بعض الجرائم في التشريع المصري

إعداد

دكتور / عماد الفقى

مقدمة فى

ورشة العمل الخاصة بـ

( الحد من تطبيق عقوبة الإعدام

في التشريع المصري )

المقدمة

تعد عقوبة الإعدام من أبرز العقوبات التى أثارت حولها جدل واسع النطاق منذ زمن بعيد ، ولا يزال الجدل مثاراً حتى وقتنا الحالي حول قيمتها العقابية ، وشرعيتها كصورة لرد الفعل الاجتماعي إزاء الجاني .

ولا غرابة في ذلك فعقوبة الإعدام  من أقدم العقوبات التى عرفتها البشرية ، وأشدها جسامة على الإطلاق ، إذ تؤدى الى إزهاق روح المحكوم عليه بها . وهى بذلك تعتدي على حق أساسي وأصيل من حقوق الانسان وهو “الحق في الحياة “.

وقد كانت عقوبة الإعدام شائعة التطبيق في الشرائع القديمة لا سيما في العصور التى سادت فيها فكرة الانتقام الديني ، كما كانت تنفذ بطريقة وحشية ، وقاسية مصحوبة بصور بشعة من وسائل التعذيب يقشعر منها البدن . الأمر الذى أدى الى أثارت أقلام الفلاسفة والمفكرين فقاموا بحملة ضاربة ينكرون فيها قسوة العقوبات التى لا مبرر لها . وأنكروا التعذيب المصاحب لتنفيذها ومن أمثلة هؤلاء ” مونتيسكيو ” و ” جان جاك روسو ” و ” فوليتر ” و ” بكاريا ” .

وعلى ضوء العوامل السابقة بدأ الفلاسفة والمفكرون يسألون عما إذا كانت هناك حاجه للإبقاء على عقوبة الإعدام أم لا . ومن ثم فقد لاح في الأفق تياران : أحدهما يؤيد الإبقاء على عقوبة الإعدام والأخر يطالب بالغاءها .

ومن أهم الحجج التى استند عليها المؤيدون لعقوبة الإعدام هى : أن عقوبة الإعدام تعد أنسب العقوبات للمجرمين الخطرين الذين لا يجدي معهم سوى الاستئصال ، وأنها تحقق الردع العام أو التخويف الجماعي بما تحمله من التهديد بإزهاق روح الجاني ، وأنها تحقق الوظيفة الأخلاقية للعقوبة باعتبارها شرا يتكافأ مع شر الجريمة ، وأن العقوبة التالية لها في الشدة وهى السجن المؤبد لا تصلح كبديل لها ، وأنها عقوبة قليلة التكلفة ، وأنها ترضى المشاعر العامة والشعور بالعدالة ، وتحد من الانتقام والثأر .

ومن أهم الحجج التى يستند عليها المعارضون لعقوبة الإعدام هى : ان عقوبة الإعدام ليست من حق المجتمع ، فالمجتمع لم يهب الحياة للإنسان حتى يكون من حقه أن يسلبها منه . وان عقوبة الإعدام تتسم بالطابع الوحشي ، وبالغة القسوة ، وتتنافى مع الانسانية ، وينبغي أن يعدل عنها مع التقدم الحديث مراعاة لشعور الناس في الجماعة ، ذلك أنها تمثل نوعا من الانتقام الذى يجب  على الجماعة أن تنأى عنه . وان عقوبة الإعدام في كثير من الجرائم التى تقرر من أجلها لا تتناسب مع خطورتها ، بل ان الجريمة في طبيعتها قد لا تصل أهميتها الى درجة إزهاق روح مرتكبها ، وان أخطر ما في عقوبة الإعدام انها عقوبة لا يمكن تدارك الخطأ الناتج عنها إذ لا يمكن إعادة الحياة للمحكوم عليه إذا تبين براءته . وأخيرا فان أثر عقوبة الإعدام في تحقيق الردع العام محل شك كبير ، لأن الدول التى ألغت عقوبة الإعدام لم يحدث فيها أن زادت نسبة الجرائم التى كان معاقبا عليها بالإعدام .

وقد حظيت عقوبة الإعدام باهتمام بالغ من المجتمع الدولى ، والمتابع للموقف الدولى من عقوبة الإعدام يجد أنه يميل نحو إلغاء هذه العقوبة . ويتجسد هذا الموقف في صورة معاهدات أو اتفاقات دولية ترمى الى إلغاء عقوبة الإعدام في الدول الإطراف .

وأحداث جدل أثير حول عقوبة الإعدام علي المستوى الدولي . تمثل في إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 18 ديسمبر 2007 ، ويدعو القرار إلي تعليق العمل بعقوبة الإعدام “.

هذا القرار الذي صوت لصالحه 104دولة، وصوت 545دولة ، وامتنع عن التصويت عليه 29 دولة، وغاب عن الجلسة 5 دول.

وتدخل مصر ضمن الدول التى صوتت ضد القرار ، وبعد التصويت على القرار وصدورة بالأغلبية . أوضح مندوب مصر انه قد صوت ضد القرار لعدة اعتبارات ” يمكن ان نوجزها في النقاط الآتية :

1-أن إلغاء عقوبة الإعدام يتعارض مع الدين والمعايير العملية والقانونية المتفق عليها .وان عقوبة الإعدام لا تستخدم إلا وفق الإجراءات القانونية ونصوص القانون الإسلامي.

2-أن عقوبة الإعدام تطبق في (اشد) الجرائم خطورة .

3-ان عقوبة الإعدام تحاط بضمانات إجرائية تكفل تطبيقها تطبيقا سليما .

والواقع ان هذه التبريرات محل نظر فالشريعة الاسلامية لا تحول دون الدعوة لحصر نطاق تطبيق عقوبة الإعدام في أضيق الحدود . فالشريعة لم تسرف ـ علي الإطلاق ـ في استخدام عقوبة الإعدام . فهي لا تفرض هذه العقوبة إلا في ثلاث جرائم فحسب ، وهي جريمة زني المحصن ،وجريمة الحرابة ، وجريمة القتل العمد والإعدام في الجريمة الأولي وجوبي لذا فقد قابل ذلك تشددا في إثبات هذه الجريمة

أما في الثانية والثالثة فيكون الإعدام جوازيا .

ومن ناحية ثانية فليس صحيحا ان عقوبة الإعدام في التشريع المصري  تطبق في جميع الحالات علي (اشد)الجرائم خطورة فثمة جرائم يقرر لها المشرع عقوبة الإعدام علي الرغم من انها لا تستاهل هذه العقوبة.ومن ناحية ثالثة فان الضمانات التي أحاط بها المشرع المصري عقوبة الإعدام وهي صدور حكم الإعدام بالإجماع ،وضرورة اخذ رأي المفتي ، وعرض القضية علي محكمة النقض ليست كافية .

فلا يمكن ان نعتبر منها ضمانة حقيقة سوى ضمانة واحدة فقط ،وهي صدور حكم الإعدام بالإجماع أما الضمانيتان الأخريان فليس لهما من أثر أو فاعلية . فرأي المفتي استشاري من ناحية وعرض القضية علي محكمة النقض ليس مزية مقصورة علي  الاقضية المحكوم فيها بالإعدام وإنما هو حق مقرر لذوى الشأن – كذلك – في القضية غير المحكوم فيها بالإعدام كما أن محكمة النقض لا تتغير وظيفتها عند نظر الدعوى المحكوم فيها بالإعدام بل تظل محكمة قانون لا محكمة واقع تحاكم الحكم المطعون فيه ولا تنظر القضية برمتها من جديد .

خطة البحث :-

يقرر المشرع المصري عقوبة الإعدام كجزاء لارتكاب مجموعة من الجرائم . فقد نص المشرع علي عقوبة الإعدام في قانون العقوبات العام وكذا بعض القوانين الجنائية الخاصة مثل قانون مكافحة المخدرات وقانون الأحكام  العسكرية وقانون الأسلحة والذخائر .

وبطبيعة الحال فلن يسمح المجال في هذا الصدد بتناول كافة الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في التشريع المصري لذا فان هذة الدراسة ستكتفي بعرض مبررات إلغاء عقوبة الإعدام في بعض الجرائم في القوانين المختلفة التي يقرر فيها المشرع عقوبة الإعدام .

علي أن يكون ذلك من خلال أربعة مطالب كالأتي :

المطلب الأول : مبررات إلغاء عقوبة الإعدام في قانون العقوبات.

المطلب الثاني : مبررات إلغاء عقوبة الإعدام في قانون مكافحة المخدرات .

المطلب الثالث : مبررات إلغاء عقوبة الإعدام في قانون الأحكام العسكرية .

المطلب الرابع : مبررات إلغاء عقوبة الإعدام في قانون الأسلحة والذخائر .

المطلب الأول

مبررات إلغاء عقوبة الإعدام

في قانون العقوبات

تمهيد وتقسيم :

يقرر المشرع المصري في قانون العقوبات عقوبة الإعدام لطائفة من الجرائم ومن هذه الجرائم ما يقع ماساً بأمن الدولة من جهة الخارج ( المواد 77 وما بعدها من قانون العقوبات ) وما يقع ماسا بأمن الدولة من جهة الداخل ( المواد 79 وما بعدها من قانون العقوبات ) .

ومنها ما يقع ماسا بالأفراد ، كالقتل العمد المصحوب بسبق الإصرار أو الترصد ( المادة 230 عقوبات ) والقتل بالسم ( المادة 233 عقوبات ) والحريق العمد الذي ينشأ عنة موت إنسان ( المادة 257 عقوبات ) وجريمة خطف الأنثى المقترن باغتصابها ( مادة 257 عقوبات ) وجريمة الشهادة الزور إذا ترتب عليها إعدام إنسان ( مادة 294 عقوبات) وجريمة البلطجة المقترنة بالقتل العمد ( مادة 35 مكررا ( أ ) عقوبات ) .

ومما يجدر التنوية إلية ان البعض يضيف إلي طائفة الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في قانون العقوبات جريمة تعذيب المتهم لحملة علي الاعتراف إذا أدي التعذيب الى وفاة المجني علية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 126 من قانون العقوبات .[1]

ولاشك أن  هذا الذي ذهبوا إليه فيه تأويل خاطي لنص المادة 126/2 عقوبات التى تنص علي انه ” إذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً”. لان الجاني في هذة الجريمة لم تتصرف إرادته أو لم ينصرف قصده الى إزهاق روح المجني عليه وإنما انصرفت الى المساس بسلامه جسده فقط . وعليه فان الوفاة في هذة الحالة نتيجة متعدية لقصد الجاني لذا فان التأويل الصحيح لنص الفقرة الثانية من المادة 126 عقوبات معناها ان المشرع  أراد الإحالة الى نص المادة 234عقوبات والتي تنص على انه ” من قتل نفسا من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو السجن المشدد”[2]

تقسيم:

وسوف نسرد في هذا الصدد نموذجا لبعض الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في قانون العقوبات  ومبررات المناداة بإلغائها والانتقادات التى يمكن ان توجه الى هذة الجرائم .

  • جريمة العمل على المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها.

تنص المادة 77 من قانون العقوبات على ان” يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدا فعلا يودى الى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها”

ويتكون الركن المادي لهذة الجريمة بكل فعل من شانه ان يؤدى الى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها . ويقصد بكلمة (البلاد) الاراضى الخاضعة  لسيادة الدولة المصرية أو سلطانها ” مادة 85/أ عقوبات”

ولم يحدد المشرع في المادة 77 سالفة البيان ما هية الأفعال التى تودي الى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها  ومن ثم فان تحديد هذة الأفعال يقع على عاتق قاضى الموضوع فهو الذى يقرر  عما إذا كان الفعل المنسوب الى المتهم  من شانه ان يكون السلوك الإجرامي أم لا.

ولا جرم أن صيغة المادة 77 عقوبات بهذا الشكل فيه مخالفة  صارخة لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه في المادة 66 من الدستور التى تقضى بأن ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي………”

فالعبارات التى صيغ بها نص المادة 77 عقوبات من العمومية والاتساع بحيث تشمل طوائف غير محصورة من الأفعال . إذ الركن المادي في هذة الجريمة يقوم على سلوك إرادي لم يحدد مضمونه وإنما اكتفي المشرع فقط ببيان أوصافه وخصائصة.

  • جريمة الاتفاق الجنائي والتحريض عليها

تنص المادة 82(ب) من قانون العقوبات علي ان ” يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد كل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المواد 77، 77(أ) ، 77(ب)، 77(ج)، 77(د)، 77(هـ)، 78، 78( أ) ، 78( ب)، 78(ج) ، 78(د)، 78( هـ)، 80 (أ) واتخاذها وسيلة للوصول الى الغرض المقصود منه.

ويعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من حرض على الاتفاق أو كان له شان في إدارة حركته ومع ذلك إذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب جريمة واحدة معينة أو اتخاذها وسيلة الى الغرض المقصود يحكم بالعقوبة المقررة لهذة الجريمة.

والجريمة المعاقب عليها في هذا النص من الجرائم الشكلية اى جرائم الحدث غير المؤذى والحدث غير المؤذي هو الاتفاق على ارتكاب الجرائم المحددة في نص التجريم .[3]

وقد عرفت محكمة النقض الاتفاق بقولها ” الاتفاق هو اتحاد نية أطرافة على ارتكاب الفعل المتفق عليه ويتم غالبا دون مظاهر خارجية أو أعمال محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه”[4]

واعتقد ان نص المادة 82 (ب) سالف الذكر محاطا بشبهة عدم الدستورية .ذلك لأنة يعاقب علي الأنفاق الجنائي المجرد تماما مثلما كانت تفعل المادة 48 عقوبات التي قضى بعدم دستوريتها لمخالفتها لنص المادة 66 من قانون الدستور . فالعقاب وفقا لنص الدستور لا يكون الاعلى أفعال لأعلي نيات .

المطلب الثاني

مبررات إلغاء عقوبة الإعدام

في قانون مكافحة المخدرات

تمهيد وتقسيم :-

 

قرر المشرع المصرى عقوبة الإعدام في القانون رقم 182 لسنة 1960 بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 لارتكاب العديد من الجرائم تشير إليها فيما يلي :-

  • جريمة جلب وتصدير المواد المخدرة ( مادة 33 مكررا ” أ ” ) .
  • جريمة إنتاج واستخراج الجواهر المخدرة ( مادة 33 ” ب ” ) .
  • جريمة زراعة النباتات المخدرة الواردة بالجدول رقم ( 5 ) ( مادة 33 مكررا ” جـ ” ) .
  • جريمة تأليف عصابة أو إدارتها أو الاشتراك فيها بغرض غير مشروع ( مادة 33 مكررا ” د ” ) .
  • جريمة حيازة أو إحراز جوهر مخدرا أو التعامل أو الوساطة فيه يقصد الإنجاز ( مادة 34 مكررا )
  • جريمة استعمال جوهر مخدر في غير الغرض المصرح باستعمال ( مادة 34 (ب) ).
  • جريمة إدارة أو تهيئة مكان لتعاطي المخدرات بمقابل ( مادة 34 ” ج ” ) .
  • جريمة الدفع لتعاطي الكوكايين أو الهيروين (مادة 34 مكرر ) .
  • جريمة التعدي علي احد الموظفين القائمين علي تنفيذ قانون مكافحة المخدرات إذا نتج عنها موت المجني علية ( مادة 40 ) .
  • جريمة القتل العمد لأحد الموظفين القائمين علي تنفيذ أحكام قانون مكافحة المخدرات ( مادة 41 ) .

تقسيم :-

وسوف نعرض فيما يلي لمبررات إلغاء عقوبة الإعدام في بعض الجرائم الورادة في قانون مكافحة المخدرات وذلك علي النحو التالي :-

(1)

جريمة استعمال جوهر مخدر

في غير الغرض المصرح باستعماله

تنص المادة 34 من قانون مكافحة المخدرات علي انة :-

  • أ‌- يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنية ولا يجاوز خمسمائة ألف جنية .
  • ب‌- كل من رخص له في حيازة جوهر مخدر لاستعماله في غرض معين وتعرف فية بأنة صورة في غير هذا الغرض .

ويفترض السلوك الإجرامي لهذة الجريمة ان الجاني مرخص له قانونا بحيازة جوهر مخدر كأن يكون طبيباً مثلا إذا يخول القانون له رخصة وصف المخدرات للمرضي وصرفها وإعطائها لهم بقصد لتداوي من المرض فإذا انحرف الطبيب عن هذا القصد وسولت له نفسة فأساء استعمال حقة في وصف المخدرات فلا يرمي من وراء وصفها إلي علاج طبي صحيح بل يقصد أن يسهل للمدمنين تعاطي المخدرات ينطق علية هذا النص أسوة بغيرة من عامة الأفراد ([5])

وتقوم الجريمة بمجرد استعمال الطبيب للجوهر المخدر في غير الغرض المرخص به أيا كان الباعث علي ذلك فيستوي ان يكون ذلك من اجل الحصول علي المال أو تحقيق غاية أخرى .

ونري ان ثمة نوعا من عدم التناسب في هذة الجريمة بين العقوبة المقررة لها وعلي وجة التحديد عقوبة الإعدام وبين السلوك الإجرامي . وإذ لا يستأهل هذا السلوك أن يكون العقاب المقرر له هو ” الإعدام”  .

(2)

جريمة إدارة أو تهيئة مكان

لتعطي المخدرات بمقابل

تنص المادة 34 من قانون مكافحة المخدرات علي ان :-

يعاقب بالإعدام أو السجن المشدد …..

( ج ) كل من أدار أو هيأ مكانا لتعاطي الجواهر المخدرة بمقابل .

ويتكون السلوك الإجرامي المكون للركن المادي لهذة الجريمة من صورتين :-

الأولي : إدارة المكان للتعاطي العلمية التنظيمية لتعاطي المخدرات علي نحو يكون معة الجاني هو المهيمن علي المكان سواء كان مالكا له أو حائزة .

والثانية : تهيئة المكان للتعاطي :-

ويقصد بتهيئة المكان للتعاطي تجهيزه علي نحو يؤدي إلي إمكانية استخدام أو استغلاله في تعاطي المخدرات مثل تزويده ( بالزجيله )  لتهيئة تعاطي الحشيش ، والسرنجات لتهيئة لحقن المدمنين بمخدرات ( الماكستون فورت ) أو الأمبولات الأسطوانية لتهيئة شم الهروين والكوكايين ويجب ان يكون الغرض من إدارة المكان انة تهيئة هو تعاطي المخدرات ويجب ان تكون إدارة المكان أو تهيئة للتعاطي بمقابل فان كانت بغير مقابل فلا تقوم هذة الجريمة .

وإذا تأملنا السلوك الإجرامي في هذة الجريمة نجد بلاغا – انه لا يستاهل ان تكون العقوبة المقررة له هي الإعدام .

المطلب الثالث

مبررات إلغاء عقوبة الإعدام

في قانون الأحكام العسكرية

ورد النص علي عقوبة الإعدام في قانون الأحكام العسكرية كعقوبة أصلية في أربعة عشر مادة وإذا علمنا ان جميع الجرائم في قانون الأحكام العسكرية ورد حصرها في المواد من

(130 – 166 ) فإن ذلك يعني أن عقوبة الإعدام تطبق علي حوالي ثلث الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية ومن بين الجرائم المعاقب عليها بالإعدام الجرائم المرتبطة بالعدو وجرائم الأسر وإساءة معاملة الجرحى وجرائم الفتنة والعصيان وجرائم مخالفة واجبات الخدمة والحراسة وجرائم النهب والإفقاد والإتلاف وجريمة عدم إطاعة الأوامر والجرائم المتعلقة بالخدمة العسكرية وجرائم الهروب والغياب .

وسوف نعرض في هذا العدد لبعض الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في قانون الأحكام العسكرية([6]) ومبررات المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام فيها .

(1)

جريمة الامتناع عن الأخبار

عن الجرائم

تنص المادة 132 من قانون الأحكام العسكرية علي ان :

كل شخص خاضع لأحكام هذا القانون علم بإحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب ولم يبادر إلي الأخبار عنها في الحال يعاقب بالإعدام أو بجزاء منة منصوص علية في هذا القانون .

والسلوك الإجرامي المكون للركن المادي لهذة الجريمة يتمثل في امتناع الجاني عن الأخبار أو الإبلاغ في الحال عن احدي الجرائم المنصوص عليها في الباب الأول الخاص بالجرائم المرتبطة بالعدو متي علم بها .

وهو سلوك سلبي لذا فإن هذة الجريمة من الجرائم السلبية .

ووفقاً للمذكرة الإيضاحية فان المشرع قد سوي بين عقوبة الجريمة الأصلية وعقوبة من علم بالجريمة ولم يخبر عنها فنص علي عقوبة الإعدام وذلك باعتبار ان علم بالجريمة ولم يخبر لا يقل إجراما في حق القوات المسلحة عمن ارتكب الجريمة الأصلية وحث من علم بالجريمة على وجوب المبادرة بالإبلاغ عنها إذ قد يترتب على التأخير في الإبلاغ نتائج يصعب تداركها بل قد يؤدى الى أخطر النتائج باعتبارها تستهدف القوات المسلحة “.

ونرى أن عقوبة الإعدام المقررة لهذه الجريمة غير مبررة ذلك لان المساواة بين لتفاعل الأصلي وبيت من علم بالجريمة من حيث الخطورة التى تبرر المساواة .بينهما في العقوبة تتنافى والمنطق القانوني السليم إذ من المتصدر أن يكون الأخير ممتنعا عن الإبلاغ خوفا من الاول ورغبة منه في تلافى بعض المشاكل التى قد تصبيه من جراء الإبلاغ . ومن ثم فان المساواة بين الفاعل الاصلى وبين من علم بالجريمة ولم يبلغ بها في الحال ليست من العدالة في شئ.

ولذا فان السلوك الاجرامى في هذه  الجريمة لا يستاهل عقوبة الإعدام .

( 2 )

جريمة عدم إطاعة الأوامر

تنص المادة 151 من قانون الأحكام العسكرية على أن :-

” يعاقب بالإعدام أو بجزاء أقل منه منصوص عليه في هذا القانون كل شخص خاضع لأحكام هذ ا القانون ارتكب الجريمة الآتية :

عدم أطاعنة أمراً قانونيا صادر له من شخص ضابطة الأعلى في وقت تأدية خدمتة بطريقة يظهر منها رفض السلطة عمداً سواء صور له هذا الأمر شفهياً أو كتابة أو بالإشارة أو بغير ذلك أو تحريضة الآخرين علي ذلك .

ويري الفقية الكبير والعالم الجليل الأستاذ الدكتور / محمود مصطفي ان المشرع المصري قد بالغ في تجسيم العقوبة المقررة لهذة الجريمة وقد حاول أي المشرع – في المذكرة الإيضاحية تبرير ذلك ولكنة لم يوفق ([7]).

المطلب الرابع

مبررات إلغاء عقوبة الإعدام

في قانون الأسلحة والذخائر

تنص المادة 26 من قانون الأسلحة والذخائر في فقرتها الأخيرة علي ان :

ومع عدم الإخلال بأحكام الباب الثاني مكررا من قانون العقوبات تكون العقوبة السجن المشدد أو المؤبد لمن حاز أو أحرز بالذات أو بالوساطة بغير ترخيص سلاحا من الأسلحة المنصوص عليها في المادة (1) من هذا القانون أو ذخائر مما تستعمل في الأسلحة المشار إليها أو مفرقعات وذلك في أحد أماكن التجمعات أو وسائل النقل العام أو أماكن العبارة وتكون العقوبة الإعدام إذا كانت حيازة أو إحراز تلك الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات توجد استعمالها في اى نشاط يخل بالأمن العام أو النظام العام أو توجد الماس بنظام الحكم أو مبادئ الدستور أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي .

وهذة الجريمة من الجرائم الشكلية التى يترتب علي قيامها ضرورة تحقيق نتيجة مهنية اى انها ليست من الجرائم المادية ذات النتيجة .

وتكون العقوبة المقررة في هذة الجريمة الإعدام إذا أقترب الجاني السلوك الإجرامي ( حيازة أو إحراز الأسلحة والذخائر ) مدفوعا يتحقق غاية معينة هي قصد استعمال الأسلحة أو المفرقعات أو الذخائر في اى نشاط يخل بالأمن العام أو النظام العام أو بقصد المساس بنظام الحكم أو مبادئ الدستور أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي .

ويلاحظ أن المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 26 من قانون الأسلحة والذخائر في شقها الأخير لم يحدد على وجه الدقة والتحديد الأنشطة التى يقصد الجاني استعمال الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات فيها وإنما اكتفى بوصف هذه الأنشطة بعبارات فضفاضة ومطاطة لدرجة تجعل السلوك الاجرامى المعاقب عليها لا يقع تحت حظر . الأمر الذى يشكل أهدارا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات

ومن ناحية أخرى ليس من المعقول أو المقبول أن يكون توافر قصد جنائي خاص لدى  الجاني سببا لاستحقاقه عقوبة الإعدام لان هذه الجريمة من الجرائم الشكلية التى تقوم بمجرد الحيازة فضلا عن أن القصد في نهاية المطاف نية داخلية .

لذا فإننا نرى أن المشرع قد بالغ كثيرا في تقرير عقوبة الإعدام في هذه الجريمة إذ ان هذا الجزاء لا يتناسب ألبته مع  الجرم المقترف .

وبعد .. تلك كانت بعض نماذج لجرائم معاقب عليها بالإعدام في التشريع المصري لا تستاهل هذة العقوبة . استخلصناها من دراسة مفصلة وعامة عن عقوبة الإعدام في التشريع المصري ومن خلال هذة الدراسة تستطيع أن نقول – بضمير مستريح – ان المشرع المصري يسرف كثيرا في  تقرير عقوبة الإعدام لدرجة ربما تصفة  بإساءة استعمال الحق في تقرير العقاب وعدم احترام الحق في الحياة .

فضلاً عن عدم احاطة هذة العقوبة بضمانات حقيقة وكفاية .

وبصفة عامة نحن لا نؤيد إلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم التي جاءت بيين دفتر هذه الورقة وإنما نؤيد إلغائها في كافة الجرائم التى يفرض لها المشرع عقوبة الإعدام باستثناء عدد محدود للغاية منها وهى جريمة تسهيل دخول العدد في البلاد المنصوص عليها في المادة 78 ( ج ) من قانون العقوبات وجرائم الاعتداء علي الحق في الحياة وجريمة خطف الأنثى المقترن بأغتصبها المنصوص عليها في المادة 290 عقوبات .

وفيما يتعلق بالقانون العسكري فندى قصر نطاق تطبيق عقوبة الإعدام علي بعض الجرائم المنصوص عليها في المادة 130 منة الواردة في الفقرات ( 10،7،6،5،4،3 ) من هذا المادة .

أما بالنسبة لقانون مكافحة المخدرات وقانون الأسلحة والذخائر فلا نؤيد عقوبة الإعدام فيها إلا في الجرائم التي تشكل اعتداءا علي الحق في الحياة .

ويجب ان تكون عقوبة الإعدام في هذة الجرائم اختيارية لا وجوبية كما يستطيع القاضي ان يمارس سلطنة التقديرية في تفدير العقاب حسب الخطورة الإجرامية للجاني .

ويتعين كذلك الاطمئنان لتوقيع هذه العقوبة ومن أبراز هذه الضمانات في رأينا قابلية الحكم الصادر بالإعدام للاستئناف أمام محكمة أعلي تنظر القضية برمتها من جديد أو قابلية للطعن فية أمام محكمة النقض باعتبارها في هذة الحالة محكمة واقع وقانون في ان واحد .

وأخيرا نقترح إرجاء تنفيذ عقوبة الإعدام لمدة ثلاث سنوات علي الأقل بعد ضرورة الحكم نهائياً لان في فوات هذة المدة كفيلة بغلق باب الأمل أمام ظهور أدلة جديدة تفيد براءة المحكوم علية بالإعدام وقد يعترض علي هذا الاقتراح بالقول بأنة يترتب علي الأخذ به  إلحاق المحكوم علية بالإعدام أثار نفسية سيئة وهذا صحيح ولكن هذا الاعتراض يهون أمام صيانة الحق في الحياة من ناحية بالإضافة الى ان الأخذ بهذا الاقتراح يمنح المحكوم علية بالإعدام المنتظر تنفيذ العقوبة فرصة للتسوية والتكفير عن الجرم الذى ارتكبة .

والله ولي التوفيق والسداد

دكتور عماد الفقى

(([1] د/ رءوف عبيد – مبادئ القسم العام من التشريع العقابي – دار الفكر العربي – الطبعة الرابعة 1979 – ص 809 ، المستشار د/ جندي عبد الملك – الموسوعة الجنائية – الطبعة الأولي – بيروت ص 45 ، د/ عبد القادر القهوجي ، د/ فتوح الشاذلي – شرح قانون العقوبات – القسم العام طبعة 2003 ص 180 ،د/ جميل عبد الباقي الصغير – النظرية العامة للعقوبات – دار النهضة العربية ص 17 ، د/ محمد أحمد شحاتة – الإعدام في ميزان الشريعة والقانون والقضاء – طبعة 2007 ص 106

[2] لمزيد من التفاصيل راجع رسالتنا :” المسئولية الجنائية عن تعذيب المتهم” رسالة دكتوراه، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة2007،صـ244، وما بعدها

[3] – د/ رمسيس بهنام ” قانون العقوبات ” جرائم القسم الخاص منشاة المعارف صـ20.

[4] – الطعن رقم 460 لسنة 29 ق جلسة 1/2/1960 مجموعة الأحكام السنة11صـ112، والطعن رقم 1445 السنة51ق جلسة 13/10/1980 مجموعة الأحكام – السنة 32 ص 692 والطعن رقم 890لسنة 55ق جلسة 16/5/1985 السنة 36 ص  699

([5] ) الطعن رقم 62 لسنة 6 ق جلسة 16 / 2 /1935 مجموعة القواعد الجزء الثالث رقم 414 ص 524

([6] )دكتور / عاطف فؤاد صحصح : قانون العقوبات العسكري ) دار الكتب القانونية ، طبعة 2004 ص 22 .

([7] ) د/ محمود  محمود  مصطفي : الجرائم العسكرية في القانون المقارن دار النهضة العربية الطبعة الأولي 1971 – ص 155 وما بعدها

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية