الحرب بالوكالة في منطقة الشرق الاوسط وآثرها على حقوق الإنسان

مقدمة

لقد كانت الحروب بالوكالة حاضرة بقوة في فترة الحرب الباردة ما بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والمعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي، بعد ذلك تراجع الاعتماد على الحروب بالوكالة ليترك مكانه لوضع الاستراتيجيات المباشرة، إلا أنه وخلال السنوات الأخيرة عادت الحروب بالوكالة بقوة بسبب الصدام الجديد ما بين القوى العالمية أو القوي الإقليمية.

وتتداخل القوى الدولية والإقليمية في إدارة الحروب بالوكالة عندما يتحدم التنافس فيما بينها على النفوذ في المناطق الحيوية في العالم، علما بأن هذه القوى لا تريد في الواقع الدخول في حروب وصدامات مباشرة. وفي منطقة الشرق الأوسط أضحت الحرب بالوكالة هي السمة الرئيسية التي تطغي في الآونة الأخيرة، ولا سيما في دول العراق وسوريا وليبيا، الأمر الذي عمق على نحو معتبر من تأزم الأوضاع في هذه الدول، وعقد إلى حد كبير من فرص حلحلة أزماتها السياسية القائمة بين أطرافها المتصارعة  داخليًا، الأمر الذي كان له تباعته وتداعياته السلبية على الأوضاع الإنسانية، وحالة حقوق الإنسان في هذه الدول، على النحو الذي اتضح جليًا في ارتكاب الأطراف الوكيلة لسلسلة من الانتهاكات واسعة النطاق لقواعد القانون الدولي الإنساني، وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو ما بدا جليًا في ارتكاب هذه الأطراف جرائم ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، كالقتل العمد للمدنيين خارج نطاق القانون، والهجمات العشوائية وغير المتناسبة على الأهداف والأعيان المدنية والحيوية، وإجراءات الاعتقال القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والمحطة بالكرامة الإنسانية.

ويجدر بنا في سياق التعرف على تداعيات الحرب بالوكالة على أوضاع حقوق الإنسان في دول الشرق الأوسط، تناول مفهوم الحرب بالوكالة من وجهة النظر القانونية، فإن ما نعنيه هنا بمفهوم الحرب بالوكالة، تلك الحرب التي تنشب بين عدة دول أو أطراف خارجية في دولة يغلب عليها الطابع الهش، وهو ما يتم بصورة غير مباشرة من خلال دعم هذه الأطراف الخارجية لتنظيمات أو مليشيات أو جماعات مختلفة تعمل بشكل كامل لمصلحة الأطراف الداعمة من أجل تحقيق مصالح استراتيجية في الدولة محل الحرب والنزاع، بحيث تتولى هذه الأطراف أو الدول الخارجية تأمين الرواتب وتمويل الإنفاق العسكري للأطراف المتنازعة وتقديم الأسلحة وربما الإسناد اللوجستي والمعلوماتي. ومن ثم يمكن القول أن الحرب بالوكالة هي صورة من صور تدخل دولة في شؤون دولة أخرى، عن طريق دعم مجموعات مسلحة متمردة، قصد تأجيج نزاعات مسلحة غير دولية أو لإدامة نزاعات مسلحة قائمة بالأصل، غية التأثير على الواقع الداخلي لتلك الدولة، من أجل تحقيق مصالح استراتيجية بعيدة المدى دون أن تظهر هذه الدولة بمظهر المتدخل المباشر في النزاع.

وفي هذا السياق، سوف نتناول في هذا التقرير الحرب بالوكالة وآثرها على حالة حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط مع التركيز على دول العراق وسوريا وليبيا، وذلك من خلال عدد من المحاور على النحو التالي بيانه:

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية