تحليل مضمون الصحف الاعدام..عقوبة الإعدام…هل هي عقوبة وضعية أم احد ثوابت الشريعة الإسلامية ؟!

عقوبة الإعدام في فلسفة التشريع الإسلامي هي (الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة)، والمقصود من العقوبة إصلاح الفرد وحماية الجماعة وصيانة نظامها. والعقوبة في التشريع الإسلامي محددة مقدرة في إطار، أو تعزيرية مفوضة لرأي الجماعة أو من يعبر عنها.
ويأخذ التشريع الإسلامي العقوبات المحددة بالأعذار المخففة، ويجعل تنفيذ هذه العقوبات مشفوعا ما أمكن بهذه الأعذار (ادرؤوا الحدود بالشبهات). ويترك المشرع لإرادة الجماعة أو من يعبر عنها تقدير عقوبة التعزير (الإعدام) والتصرف بها، تشديدا أو تخفيفا، حسبما تقتضيه مصلحة الجماعة. كما يترك للقاضي هامشاً واسعاً لتحديد حجم العقوبة المفروضة في الوقائع الفردية المتشابهة في شكلها المختلفة في ظروفها وللقاضي في منهج العدل الإسلامي حضور فاعل في تقدير حجم العقوبة، وليس منفذاً آلياً لما ترسمه القوانين الصارمة.
يقرر الفقهاء المسلمون أن العقوبات (موانع قبل الفعل زواجر بعده) وأن حد العقوبة ـ التعزيرية ـ هو حاجة الجماعة ومصلحتها. فإذا اقتضت مصلحة الجماعة التشديد شددت العقوبة، وإذا اقتضت مصلحة الجماعة التخفيف خففت العقوبة. ولا يصح أن تزيد العقوبة أو تقل عن حاجة الجماعة. وبالنسبة للعقوبات (المحددة) إذا درئت بالشبهة أي أخذت بأي عذر مخفف فإنها تتحول إلى عقوبة تعزير، بمعنى أنه لا تسقط العقوبة تماماً وإنما تترك لتقدير (المشرع) و(القاضي) .
وفي فلسفة التشريع الإسلامي تأديب المجرم ليس معناه الانتقام منه وإنما استصلاحه. ويرى الفقهاء كما يقول الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية: العقوبة (تأديب استصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب). ويقرر ابن تيمية رحمه الله تعالى أن العقوبات (إنما شرعت رحمة من الله بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب الولد، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض).
تتأرجح فلسفة العقوبة بين اعتبارين الأول اعتبار مصلحة الجماعة وما يقتضي ذلك من تشديد العقوبة، والتغافل عن مصلحة (الفرد)، أو اعتبار مصلحة (الفرد)، وهو هنا الجاني أو المجرم، والتغافل عن مصلحة الجماعة. التشريع الإسلامي يوازن في اعتبار المناطين؛ فهو التزم مصلحة الجماعة في جميع الأحوال، واهتم بشأن الفرد في أكثر الأحوال. أي أن التشريع الإسلامي أخذ بمبدأ حماية الجماعة على إطلاقه، والتمس هذا البعد في كل العقوبات المقررة وهذا ما عبر عنه (بالزجر)، كما أخذ بمبدأ حماية الفرد حيث أمكن ذلك بمعنى أنه أقر العقوبة بروح التأديب والإصلاح، وحض على العفو والتجاوز في مقامهما.
في تقويمنا لأي منظومة تشريع يرشدنا إلى وجه الحق فيها جواب السؤال التالي: هل يثمر قانون العقوبات تطويقاً لعالم الجريمة، وتجفيفاً لمنابعها، وتخفيفاً من عنف المجرمين؟ الجواب على هذا التساؤل يشكل الأساس الذي يقطع اللجاجات على أهلها. المجرمون في المجتمع المدني الإنساني يزدادون عرامة وعنفاً وقسوة.وحوادث القتل والسطو والاغتصاب والفساد، وهي الجرائم الأكثر تهديداً للمجتمع المدني في هذا العصر، تزداد قسوة وانتشاراً.
في فلسفة قانون العقوبات الذي يطرح في إطار توجه كوني عام تميل نصوص التشريع إلى تضييق دائرة المحظور الاجتماعي، وتوسيع دائرة الحرية الفردية، وتخفيف نطاق المسؤولية، وتمييع العقوبات أو تجاوزها.
وفي إطار هذه الفلسفة نتابع إلحاحا من منظمات حقوقية دولية، وباسم الأمم المتحدة، تطالب بإسقاط عقوبة الإعدام من سياق القانون العالمي وقد ألغيت هذه العقوبة فعلا في كل من فرنسا وألمانيا والنمسا والدنمرك وفنلندا وأيسلندا ولوكسمبورج والنرويج والبرتغال والسويد وكندا ونيوزلندا الجديدة، ودول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، وجنوب أفريقيا، وألغيت جزئياً في بلجيكا واسبانيا وإيطاليا وانكلترا. وما يزال رجال هذه المنظمات يشنون حملتهم لجعل إلغاء هذه العقوبة التزاماً إنسانياً ودولياً متفقاً عليه.
إن إيماننا بقيمة الحياة الإنسانية، وبقدسيتها لا حدود له. وإن حرصنا على هذه الحياة يجعلنا نتشدد في حمايتها، ونرى قي العقوبة الرادعة الجسر الحقيقي للزجر عن الاستهانة بها.

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية