تقرير جديد لـ “ماعت” يوصي بنقل تبعية السجون إلي وزارة العدل .. وتخصيص طبيب لكل 20 سجينا .. وبناء مساكن ملحقة بالسجون تخصص للقاءات العائلية

أصدر مركز ماعت تقريرا هاما عن
” تقنين الخلوة الشرعية في ظل السياسات الإصلاحية داخل السجون المصرية ” .

يناقش التقرير الإطار القانوني لحق السجناء والمعتقلين في الخلوة الشرعية ومدي انسجام تطبيق الخلوة الشرعية مع الفلسفة العقابية الحديثة،وموقف الشريعة الإسلامية من تطبيقها وموقف وزارة الداخلية من اجتهادات تطبيقها،والتنفيذ الفعلي لها داخل السجون المصرية ومدي التزام إداراتها بها ، ودواعي تطبيقها من واقع قراءات نتائج الاستفتاءات واستطلاعات الرأي الميدانية التي قام بها المركز،كما يقدم نماذج لسجون دول أخري يمكن الاقتداء بها في تنفيذ الخلوة الشرعية بين السجناء والمعتقلين وزوجاتهم،ويشير إلي أهم النتائج المترتبة علي عدم تطبيقها في مصر .

وقال أيمن عقيل مدير المركز “من المهم أن يبدأ الاهتمام بالسجين ورعاية أسرته منذ دخوله المؤسسة العقابية،لتبدأ مرحلة الإصلاح التدريجي نحو تقويم سلوكه ليعود مواطناً منتجاً داخل مجتمعه من خلال عوامل التهيئة والتكيف النفسي والاجتماعي المهمة،وعدم إهمال حق زوجته في الخلوة به،لما له من آثار اجتماعية سيئة عليها وعلي الزوج السجين،خاصة وأن سجون عديدة قد تشهد علاقات شاذة بين نزلائها جراء إهمال حق السجين في الاختلاء بزوجته علي فترات مناسبة” .

وتابع عقيل ” ما يثير العجب هو تناقض موقف الداخلية من الخلوة الشرعية،وسماحها بتطبيقها فعليا داخل السجون والمعتقلات بشكل انتقائي وفي صورة منحة تقدم إلى المعتقلين خاصة الإسلاميين، وتنظيم إدارة السجون لهذه المنحة بالتعاون مع مباحث أمن الدولة طالما توافر لدي النزلاء حسن السير والسلوك،في حين سمح الملك فاروق عام 1952 لوزير الحربية حسين سري عامر الذي حبسه عقب انتخابات نادي الضباط ، بالخلوة الشرعية له ” .

ويؤكد التقرير عجز كثير من الدول وبينها مصر عن تنفيذ قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء والتي أقرتها الأمم المتحدة في عام 1955، وبقاء سجونها بيئة غير صالحة لعملية إصلاح المحكوم عليه،فوفقا للمادة 10 من العهد الدوليس للحقوق المدنية والسياسية فان المعاشرة الزوجية حق للسجين وواجب عليه ، كما يشير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 16 منه إلي أنه ” يجب علي الدولة أن تتيح للسجناء والمعتقلين حق الالتقاء بأفراد أسرتهم وحق الخلوة الشرعية بالزوجة”،وأكد الدستور المصري في المادة 66 علي أن ” العقوبة شخصية،ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون “، وأعطى المشرع الوطني كما أعطت لوائح السجون للسجين العديد من الحقوق،لكنه لم ينص صراحة على الحق في الخلوة الشرعية رغم أنها ليست ترفا بقدر ما هي واجب باعتبار العلاقات الزوجية عبادة ومسئولية،والحرمان منها يعني جماعية العقوبة.

وإذا كانت مصلحة السجون تسمح لعدد كبير من أعضاء التيارات الدينية المسجونين أو المعتقلين بالاختلاء بزوجاتهم “بتصاريح مسبقة”،فإن التقرير يكشف أن عدد كبير من دول العالم وبعض الدول العربية كالسعودية والكويت والبحرين والأردن تطبق الخلوة الشرعية بالفعل وتنظمها بشكل أدمى يحفظ كرامة الإنسان،مع اعترافها بخطورة منع معاشرة السجين زوجته علي المجتمع والأسرة وأشكال العلاقات البينية داخل السجون ذاتها ، كما يذكر كيف كان المجتمع المسلم عهد الخليفة عمر بن الخطاب يسمح للسجين بالخروج ليعاشر زوجته في بيته ثم يعود للسجن مرة أخرى،ويعتبر عقاب الزوجة على ما لم تقترفه لا يصح شرعا.
ومع تصاعد الجدل في مصر بشأن مسألة السماح لنحو 60 ألف مسجون ومسجونة في 44 سجنا بـ ”الخلوة الشرعية” وإقامة العلاقة الزوجية،والمطالبة بممارسة ذلك داخل السجون المصرية من وقت لأخر بأكثر من أسلوب،ويرصد التقرير أهمية هذه العملية في إنقاذ السجناء والمعتقلين من الإصابة بمرض نقص المناعة “الإيدز” أو أمراض نفسية وعضوية ترتبط بالممارسات الجنسية الشاذة،كما حذرت منها تقارير برلمانية وأخري صادرة عن نقابة أطباء مصر،مع كشفها عن ضيق زنازين السجون لدرجة إقامة 32 سجينا في مساحة 5 أمتار × ثمانية أمتار،ويلفت إلي تقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان بضرورة تفعيل حق الخلوة الشرعية، وفتوي مفتي الجمهورية بصحة زواج السجناء وحقهم في الخلوة .

ويشير التقرير إلي أنه كان من المقرر أن تضع الحكومة الخطوط العريضة لمشروع قانون “الخلوة الشرعية” الذي يتيح للمسجون ممارسة حقوقه الزوجية داخل السجن مع زوجته ، قبل إحالته إلى مجلس الشورى، ووضعت الحكومة لهذا المشروع بعض الضوابط واقتدت ببعض التشريعات التي تعمل بها السعودية والأردن والكويت وقطر والتي تسمح للمسجون أن يمارس حقه الشرعي مع زوجته في السجن محاولة إقراره على أن يسمح للسجين باللقاء الشرعي 3مرات في الشهر، لكن القانون تأخر نظرا لما أثاره من عواصف خلافية، كما توقفت مناقشات لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب عام 2004م حول تعديل قانون تنظيم السجون الذي تم وضعه قبل 50عاماً ، بعد طرح فكرة السماح للسجين أن يرتدي ملابس مدنية عند لقاءه مع أهله وأصدقائه وحقه في قضاء يوم وليلة مع أهله كل شهرين في منزله. وغيره من التعديلات،والسبب كان اعتراض أجهزة الأمن لصعوبة توفير حجرات أو فنادق داخل السجن والخلاف على شرعية هذا الحق .

كما تري الوزارة أنه لم يتم حسم هذا الحق من الوجهتين الشرعية والتشريعية لما تثيره تلك الخلوة وفقاً لرأيها من أوجه نقد دائمة ومستمرة،كما تعتبر قطاع السجون جهة منفذة فقط للقانون الذي لا يقر الخلوة الشرعية،وبالتالي ترك الأمر دون حل ليبق حق الزوجة في الخلع أو التطليق نتيجة الضرر الذي أصابها من حبس زوجها، كما زعمت الوزارة أن الاستجابة لطلب الخلوة الشرعية سيفرغ العقوبة السالبة للحرية من مضمونها وجوهرها الذي يعتمد على الإيلام والحرمان ، وأصرت علي صعوبة الاستجابة لهذا المطلب في حالة تعدد الزوجات للسجين الواحد،وكان رد مسئول أمني سابق ” إذا كان المفتي قد أراد المعاملة الإنسانية للمسجون فأين كانت إنسانية المسجون يوم قتل وسرق وحرق وشرد وأهلك الحرث والنسل، ..فهذه المبادئ تفوق كثيراً في مثاليتها الفظائع غير المتصورة ووقائع التعذيب داخل سجون الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها ” .

ويؤكد التقرير أن ما يثير التناقض في موقف وزارة الداخلية هو سماحها الفعلي بتطبيق الخلوة الشرعية داخل السجون والمعتقلات بشكل انتقائي واختياري لمدير مصلحة السجون والقائمين على إدارة السجن،وفي صورة منحة تقدم إلى المعتقلين الإسلاميين خاصة،وكان الملك فاروق قد سمح لحسين سري باشا بالخلوة الشرعية بزوجته،وأصدر الوزير ممدوح سالم عهد الرئيس الراحل السادات قرارا بالسماح بالخلوة الشرعية ومنح أجازات لعدد 280مسجوناً بداية ولايته الوزارة،وفي العام التالي 240مسجوناً، وقلت هذه الأجازات بشكل كبير بعد أن ترك سالم الداخلية حتى أصبحت 4 مرات في العام واقتصرت علي أسباب إنسانية أخرى مثل جنازة أو زفاف ، وأصبح الآن تطبيق الخلوة الشرعية يتم وفقا لاعتبارات لدى إدارة السجن لا علاقة لها بالعدل وتساوي الفرص بين السجناء ، وتسمح به فقط للمتعاونين معها ومن يقدمون المعلومات .

ويؤكد التقرير أن الداخلية تسمح بالخلوة الشرعية للسجناء وزوجاتهم الآن في سجون المنصورة ، الفيوم ، وادي النطرون، طره بأسلوبين: في إحدى غرف عنبر مستشفي السجن حيث توجد غرف مغلقة يلتقي بها الزوجان دون إحراج ، أو في خيمة تنشأ في نهاية عنبر الزيارة يختلي فيها المسجون بزوجته لمدة مقننة يتبادل بعدها مسجونون آخرون المكان ليكفي اليوم ستة مساجين.
ويذكر التقرير أن د. ” أحمد المجدوب” أستاذ علم الاجتماع أجري بحثاً داخل عدد من السجون،ووجد أن نسبة الشذوذ تصل إلي 40% من المساجين، وقال أنه عدد أقل من ذلك الذي يوجد في سجون الغرب كانجلترا 70% وأمريكا 80% ، مشيرا إلي أن المساجين الذين لا تزيد مدة سجنهم عن سنة يمثلون70% من المساجين،كما أن نسبة المساجين المتزوجين لا يتعدى 35% من مختلف الأعمار، أما النسبة الباقية 65% فيتوزعون ما بين غير المتزوجين والأرامل والمطلقين.
وأوضحت دراسة أخري أجراها د. ظريف شوقي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الحرمان الجنسي للمسجونين يدفعهم إلي القيام بسلوكيات شاذة حيث 49% من المسجونين متزوجين، وأن نسبة انتشار الشذوذ داخل المجتمع الخارجي 2% وداخل السجن 15% من عدد السجناء.

وأجري المركز استطلاع رأي علي عدد من زوجات السجناء والمعتقلين،وصلت فيه نتيجة الموافقة علي تطبيق الخلوة الشرعية للسجناء بأزواجهن إلي 55.5% من العينة المبحوثة،إلا أنهن تحفظن علي إطالة مدة الاعتقال وتخوفن من استمرار حالات الاعتقالات الجديدة والمتكررة من وقت لأخر إذا تم السماح بممارسة ذلك الحق، ووجد أن النزلاء يرفضون الاختلاء بزوجاتهم في السجن أثناء الزيارة خوفا علي مشاعر زوجاتهن حيث يتم تخصيص أماكن غير أدمية لممارسة هذا الحق.وعليه يتحامل السجين علي نفسه أكثر من اللازم لدرجة تجعله يصاب بعدد من الأمراض النفسية كالإحباط والاكتئاب ويضطر إدارة السجن لإطلاق سراحه نظراً لتدهور حالته الصحية بشكل مخيف.

وانتهي لتقرير إلي نتائج اجتماعية مباشرة لعدم تفعيل حق الخلوة الشرعية داخل السجون المصرية،أهمها زيادة معدلات طلاق الزوجات لتضررهن من سجن الزوج أو اعتقاله،زيادة معدلات انحراف الزوجات،تزايد نظرات الريبة والشك في مصدر حمل زوجات المساجين بسبب عدم تقنين حق الخلوة والاعتراف الحكومي به،زيادة حالات التشتت الأسرى للأبناء والتفكك الاجتماعي للأسر،ومن النتائج الصحية والنفسية انتشار الأمراض النفسية كالإحباط والاكتئاب والإدمان والأمراض الجنسية المتربة على الممارسات الشاذة والمثلية،تفشي الأزمات النفسية بسبب التعرض لهذه المواقف وزيادة معاناة الزوجة والأبناء نفسيا رغم أنهم غير مسئولين عن جرم الزوج .

ومن النتائج الأمنية انتشار حالات الهروب الجماعي والفردي من السجون،تنامي التيار المؤيد لتطبيق وتقنين الحق في الخلوة الشرعية للسجناء مع زوجاتهن في السجون المصرية خاصة وأن مفتى الديار المصرية قد أفتى بشرعية هذا الحق ليدعمه البرلمان المصري وجمعيات حقوق الإنسان،وترك الأمر لقرارات الإدارة التي تسببت في إساءة أوضاع السجون المصرية .

وأوصي التقرير بتفعيل دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي في السجون وتوفير طبيب لكل 20 سجينا أو معتقلا وتقديم تقارير دورية عن حالتهم الصحية والنفسية والاجتماعية تكون مؤشرا تقاس به الجدوى الفعلية من إقرار وتقنين حق الخلوة الشرعية ،وإبلاغ الرأي العام بأهم مخرجات هذه التقارير حتى تستعين بها المنظمات الحقوقية في تحديد أوجه ومدى التطور في أوضاع السجون المصرية،وتنفيذ قرار وزير الداخلية بتوفير سرير لكل سجين أو معتقل والحد من الكثافة العالية في السجون،وتطبيق نظام اليوم العائلي وتوفير وحدات سكنية ملحقة بالسجون وليس داخلها لهذا الغرض محاكاة للنموذج السعودي،بحيث تكون هذه الوحدات أمنة تراعى فيها خصوصية السجناء مع أسرهم وزوجاتهم على أن تكون هذه الزيارات طوال النهار نظرا لكثرة عدد السجناء والمعتقلين في مصر.

كما أوصي التقرير بتقنين حق الخلوة الشرعية بقانون لتحقيق العدل والمساواة بين السجناء بمختلف أطيافهم ، لينال هذا الحق كل من زادت فترة حبسه عن سنة،على أن يحجب عن المساجين من الذكور والإناث لأسباب تتعلق بالآداب كالدعارة والشذوذ ، وأن يعطى القانون حق الخلوة الشرعية للمسجونين ويترك لهم المطالبة أو عدم المطالبة به،وإنشاء وحدات صحية مستقلة عن مستشفيات السجن تتولى الكشف على السجين وزوجته للتأكد من خلوهما من الأمراض،وقياس رأي السجناء وأسرهم وزوجاتهم لمعرفة مدى كفاءة وفعالية الخدمة الخدمات المقدمة لهم،وعمل حملة توعية مكثفة لأفراد المجتمع بحق الخلوة ومشروعيته للسجين وأسرته حتى تنتهي النظرة المجتمعية السلبية لزوجات السجناء والمعتقلين في حالة حدوث حمل،ومراعاة تخصيص وحدات للخلوة الشرعية وأيام الأسرة عند تصميم السجون الجديدة،وتثقيف القائمين على السجون فيما يتعلق بهذا الأمر وبجدارته الأخلاقية والاجتماعية والصحية والنفسية،وتصحيح النظرة الدونية التي قد يحملونها للسجين والمعتقل،وتفعيل الإشراف والرقابة القضائية على السجون ونقل تبعيتها من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل.

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية