fbpx

حقوق الإنسان في لبنان … أزمات وانتهاكات

يئن لبنان منذ أكثر من سنة تحت وطأة أزمة مالية اقتصادية خانقة هي الأسوأ في تاريخه، تترافق مع شلل سياسي تام يعيق تشكيل حكومة جديدة، بعد أن شهدت البلاد استقالة حكومتين في فترة لا تتجاوز العشرة اشهر، الأمر الذي يحد من قدرة السلطة على تقديم حد أدني من الخدمات للمواطنين، وقد بلغت نقمة اللبنانيين الذين خرجوا إلى الشوارع في خريف عام 2019 احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية المتهمة بالفساد، ذروتها إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي، وقد دفع حجم الخسائر في الأرواح والدمار حكومة حسان دياب إلى تقديم استقالتها لامتصاص غضب الشارع. حيث شكل الانفجار ضربة قاضية للاقتصاد بعد أشهر من فرض قيود مصرفية مشددة وبدء انهيار سعر الصرف وتخلّف لبنان عن سداد دينه الخارجي. كما خلفت مشكلة إنسانية كبيرة متعددة الابعاد، واتت جائحة كورونا لتعمق من حجم الازمات الاخرى وتلقي اعباء كبيرة إضافية على قدرة أجهزة الدولة على مواجهتها. حيث تفاقمت معالم الانهيار مع فرض تدابير إغلاق مشدد على مراحل لمواجهة فيروس كورونا والذي حدّ أيضاً من وتيرة الاحتجاجات ودفع مؤسسات إلى إقفال أبوابها. حيث وجد اللبنانيون أنفسهم أمام ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، بينما تراجعت قدراتهم الشرائية ولا تزال تتراجع.

ويفاقم من هذا التأزم، ما استتبعه الانقسام الطائفي والمذهبي، وما يرتبه من ارتباطات وولاءات خارجية، مبنية على أسس مذهبية أو مصالح سياسية لهذا الفريق أو ذاك، على حساب المصلحة العامة لمجموع الشعب اللبناني. وفي ظل هذا المناخ يظل لبنان يعيش وضعا داخلياً هشا، سواء تحت تهديد حالة ازدواجية السلطة بين الرسمي منها ممثلا بمؤسسات الدولة الدستورية -التي تشهد انقسامات ترتب على إثرها عدم تشكيل حكومة جديدة حتى الآن- وغير الرسمي ممثلا بقوة حزب الله العسكرية، الأمر الذي يفاقم من عدم قدرة الأجهزة الأمنية والقضائية على ممارسة مهامها، أو بفعل تأثير التطورات الخارجية والحسابات الإقليمية على الوضع الداخلي.

واقترنت هذه الظروف الضاغطة بتحديات قديمة، كالاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من جنوب لبنان، واستمراره بانتهاك السيادة اللبنانية، والحروب المستمرة في الجوار والخطر الإرهابي. تضاف اليها أزمتي النزوح السوري واللجوء الفلسطيني، مما يضاعف المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة اللبنانية للحفاظ على المكتسبات وإحراز التقدم المنشود في تعزيز حقوق الانسان خاصة عبر عملية اصلاح جذري ترتكز على مكافحة الفساد وتلبي طموحات الشعب اللبناني.

وكان الملف اللبناني لحقوق الانسان قد خضع لتقييم والمراجعة في إطار عملية الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي جري في 18 يناير 2021، حيث أصدرت 47 دولة مجموعة من التوصيات لتحسين إجراءات حماية حقوق الإنسان في لبنان، ومن ثم؛ يجب على الحكومة اللبنانية أن تعير اهتماماً لهذه التوصيات، وأن تبذل جهداً أكبر بكثير لإعمال حقوق الإنسان واحترامها وحمايتها، وان تضع حداً للإفلات من العقاب الذي يقف وراء التراجع الهائل للحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والمدنية الأساسية.

فمنذ الاستعراض الأخير في مجلس حقوق الإنسان عام 2015 لم يحرز لبنان إلا تقدماً ضئيلاً بشأن التوصيات التي قبلها، فقصّر في إجراء تحقيقات وافية في مزاعم التعذيب، وضيَّق الخناق على حرية التعبير والتجمع السلمي في سياق الاحتجاجات. كما عجزت عن توفير أوضاع عمل ملائمة للعمال المهاجرين، وحماية حقوق اللاجئين – لاسيما من الإعادة القسرية. كذلك تقاعس لبنان عن وضع حد للتمييز ضد المرأة. وكانت أي خطوات إيجابية متخذة – مثل تشكيل اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب أو الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً – رمزية إلى حد كبير حتى الآن؛ إذ إن السلطات تقاعست عن تمكين وتفعيل هاتين الهيئتين”.

وبالتالي تدعو مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان السلطات اللبنانية لقبول هذه التوصيات والالتزام بإجراء التغييرات الضرورية لطي صفحة عقود من الانتهاكات للحقوق الاجتماعية والمدنية والاقتصادية للناس. ويتعين أن تحل المساءلة محل الإفلات من العقاب، ويجب أن يُسأل لبنان عن الوعود التي قطعها”. كما تدعو المؤسسة الحكومات اللبنانية المقبلة أن تولي أولوية لهذه التوصيات في السنوات الأربع المقبلة إلى أن يحين موعد الاستعراض التالي للبنان.

وانطلاقا من اهتمامها بملف حقوق الانسان في لبنان تقدم مؤسسة ماعت هذا التقرير لتحليل أبرز الازمات السياسية والاقتصادية على الساحة اللبنانية وكيف اثرت على أوضاع حقوق الانسان في لبنان.

 

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية