ما بين التهديد والتعزيز كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على مستقبل حقوق الإنسان؟

مقدمة

تعمل الثورة التكنولوجية على تغيير حياتنا بسرعة هائلة، مما يغير بشكل كبير الطرق التي نعمل ونتعلم بها، وحتى تلك التي نعيش بها سوياً. فالذكاء الاصطناعي (AI) يمر بنمو هائل وإيجاد تطبيقات جديدة في عدد متزايد من القطاعات، بما في ذلك الأمن والبيئة والبحث والتعليم والصحة والثقافة والتجارة إلى جانب الاستخدام المتزايد التعقيد للبيانات الضخمة.

ويشير مصطلح الذكاء الاصطناعي (AI) إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها. ويتجلى الذكاء الاصطناعي في عدد من الأشكال. منها؛ تستخدم روبوتات المحادثة الذكاء الاصطناعي لفهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقديم إجابات أكثر كفاءة، كما أن القائمون على الذكاء الاصطناعي يستخدمونه لتحليل المعلومات الهامة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتحسين الجدولة، كما يمكن لمحركات التوصية تقديم توصيات مؤتمتة للبرامج التلفزيونية استنادًا إلى عادات المشاهدة للمستخدمين.

وبالتالي فإن الذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق وتحليل البيانات أكثر من تعلقه بشكل معين أو وظيفة معينة. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم صورًا عن الروبوتات عالية الأداء الشبيهة بالإنسان التي تسيطر على العالم، إلا أنه لا يهدف إلى أن يحل محل البشر. فإنه يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير. مما يجعله أصلاً ذا قيمة كبيرة من أصول الأعمال.

فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تلعب دورًا هامًا في حياتنا اليومية من خلال تسهيل تقديم الخدمات المتنوعة إلى المواطنين بما ينعكس بشكل إيجابي على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الرغم من ذلك ظهرت مجموعة من المخاوف الحقوقية المتعلقة بالتأثيرات السلبية لهذه التطبيقات على حقوق الإنسان وما يرتبط بها من أعمال إذ تنطوي الأنشطة التي تضطلع بها الحكومات في مجال الذكاء الاصطناعي على آثار سلبية متصلة بحقوق الخصوصية والحرية الدينية وحرية المعتقد والرأي والتعبير والتجمع السلمي، فتقنيات الذكاء الاصطناعي تعمل على تسليح الحكومات بقدرات غير مسبوقة لمراقبة الأفراد وتعقبهم، حتى الحكومات في الديمقراطيات ذات التقاليد القوية في سيادة القانون تجد نفسها تميل إلى إساءة استخدام هذه القدرات الجديدة، وعلى الجانب الأخر وفي الدول ذات المؤسسات غير الخاضعة للمساءلة عن الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في ظل غياب الشفافية من المرجح أن تتسبب أنظمة الذكاء الاصطناعي في مزيد من الانتكاسة للحقوق والحريات الأساسية، فعلى سبيل الذكر تستخدم بعض الحكومات تطبيق التعرف على الوجه المعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في قمع حق المواطنين في ممارسة التجمع السلمي بالإضافة إلي القبض عليهم وتعقبهم.

بالإضافة إلى توفير قدرات المراقبة الشاملة والدقيقة يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الحكومات في التلاعب بالمعلومات المتاحة ونشر المعلومات المضللة من أجل تحقيق الأهداف السياسية، فعلى سبيل المثال يدعم الذكاء الاصطناعي تقنية التزييف العميق حيث تنشئ الخوارزميات عمليات تزوير واقعية للفيديو والصوت بما يؤثر على آراء المواطنين فضلاً عن الحق في تكوين هذا الرأي وتطويره وطريقة الاستدلال عليها، وفى سياق متصل تساهم بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تكريس العنصرية والتحيزات النمطية السيئة تجاه الأقليات والفئات المهمشة المعرضة للخطر في المجتمعات وذلك عبر التحيزات الخوارزمية الموجودة في الخدمات المعتمدة على بعض هذه التطبيقات، فعلى سبيل الذكر تبنت الشرطة الأمريكية تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالجرائم وتحديد المتهمين إلا أن هذه التنبؤات غالبًا ما تكون متحيزة، مما يؤدي إلى نتائج غير عادلة مثل التحديد الخاطئ أن الأمريكيين الأفارقة هم أكثر عرضة لارتكاب جرائم من المجموعات الأخرى، يأتي هذا  بالتزامن مع استهداف خصوصيات النساء عبر محتويات الانتقام الإباحي المعتمد على تطبيق DeepNude خلع الملابس وذلك بتزييف صور النساء إلي صور عارية ونشرها على الأنترنت.

وفى هذا الإطار  تعمل الجهات المختلفة من دول وحركات وفاعلين من دون الدول بينهم حركات إرهابية على تطوير أنظمة تستخدم الذكاء الاصطناعي لخدمة أغراضها العسكرية، بما يساهم في زيادة وتيرة الانتهاكات الحقوقية خصوصًا في بيئة الصراع التي تنشط بها العديد من التيارات الإرهابية المتطرفة، فضلاً عن غياب المسائلة وتكريس الإفلات من العقاب في حالة الاعتماد الكلي على هذه الأنظمة التي لا تمتلك أي مشاعر إنسانية مما يزيد من خطورتها لأنها مصممة للقتال، وبالسياق ساهم استخدام الطائرات بدون طيار في ارتكاب انتهاكات حقوقية استهدفت بالقتل المباشر بعض المدنيين بالإضافة إلي تدمير البينة التحتية وذلك من جميع الجهات العسكرية، وعلى الجانب الأخر تستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الحقوق الصحية للمواطنين وتحسين التغلب على الأمراض وإنقاذ المواطنين في حالة الكوارث العامة إذ يتم استخدام بعض هذه التطبيقات في مكافحة أمراض القلب، يأتي هذا بالتزامن مع دور هذه التطبيقات في التنبؤ بالكوارث والتعامل معها بما يعزز من حق الإنسان في الحياة، هذا بالإضافة إلي دورها الرائد في مساعدة الفئات الأولى بالرعايا وخصوصًا ذوي الاحتياجات الخاصة إذ تتيح تطبيقات الذكاء الاصطناعي المنتشرة على الهواتف المحمولة للأشخاص المكفوفين التواصل مع العالم بشكل أفضل فيما يخص جميع مناحي حياتهم وهذا يعزز من قدرتهم على التواصل مع الأخرين ويدعم من حقوقهم.

وانطلاقًا مما سبق تناقش هذه الدراسة مستقبل حقوق الإنسان الأساسية في ظل تنامي استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية للمواطنين، بما في ذلك من تأثيرات سلبية وإيجابية، فتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي من الممكن لها أن تقوض من الحريات والحقوق السياسية للمواطنين من ناحية أخر  من الممكن أن تسهم هذه التطبيقات في تحقيق العدالة الانتقالية وتعزيز مساءلة الحكومات عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها فعلى سبيل المثال  تستخدم أحد الجهات الحقوقية الآن التعلم الآلي الناتج عن خوارزميات الذكاء الاصطناعي للتحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي تحدث في اليمن، وفى هذا الإطار  تلقى الدراسة الضوء على التحيزات المعرفية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على الفئات المهمشة في المجتمعات بما في ذلك من ذوي البشرة السوداء والمرأة، كما أنها تتطرق إلي المخاوف المطروحة بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعات العسكرية من تعزيز عدم المسائلة وتفشى مناخ الإفلات من العقاب، وفى الأخير تعرض الدراسة تطبيقات للذكاء الاصطناعي تعزز من قدرات المواطنين وحقوقهم الصحية والاجتماعية، هذا بالإضافة إلي تعزيز حق الإنسان في الحياة وإنقاذه بناء على تطبيقات التنبؤ بالكوارث البيئية المختلفة.

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية